ميدان-الجزيرة
في 4 (أبريل/نيسان)، شنت القوات الحكومية السورية هجوما بالأسلحة الكيميائية على مدينة خان شيخون، أسفر عن مقتل العشرات من بينهم أطفال. وبعد يومين، ردت الولايات المتحدة بهجمة استهدفت مطار “شيرات” التابع للقوات السورية بصواريخ كروز، نجم عنها مقتل سبعة أشخاص على الأقل وتدمير عدد من الطائرات الحربية السورية. وبعد فترة وجيزة من الغارة، أصدر السناتور أن الأميركيان جون ماكين وليندسي جراهام بياناً مشتركاً أشادا فيه بقرار الرئيس دونالد ترمب بـ “توجيه رسالة مهمة” إلى النظام السوري، قبل أن يلتحق بهما العديد من المراقبين الآخرين لترديد ذات الشعور.
لكن السؤال المطروح، ما هي الرسالة بالضبط التي وجهتها هذه الضربات؟ ذهب العديد من مؤيدي الهجوم إلى أن هذه الهجمات ستقنع الرئيس السوري بشار الأسد بأن الولايات المتحدة ستعاقب حكومته في حالة استخدامها الأسلحة الكيميائية مرة أخرى، وأن ذلك سيثنيها عن اللجوء إلى هذه الوسيلة مجددا، غير أن الواقع لا يعزز هذا التفاؤل، باعتبار أن رسالة الهجمة الأميركية كانت مبهمة وتحمل إشارات متضاربة، ومن الخطأ الافتراض أن الهجوم سيغير من سلوك الأسد.

من المرجح أن يفسر الأسد الضربة الأميركية من خلال ثلاثة مقاربات رئيسية:
في السيناريو الأول، يقرأ الأسد الهجوم كإشارة على أن الولايات المتحدة جادة في التزامها باستخدام قوة إضافية ردا على هجمات الأسلحة الكيميائية، وإذا كانت هذه هي الطريقة التي ينظر بها الأسد إلى الضربة الأميركية، فمن المحتمل جدا أن يمنع الرئيس السوري قواته من استخدام الأسلحة الكيميائية مرة أخرى خوفا من الانتقام الأميركي. من وجهة نظر الولايات المتحدة، هذا هو السيناريو الأكثر تفاؤلا، والاحتمال المثالي الذي يقدم أكبر نتيجة بأقل تكلفة: تغيير في سلوك الأسد مقابل 59 فقط من صواريخ توماهوك.
في السيناريو الثاني، يرى الأسد أن الضربة بمثابة إشارة تدل على عدم اكتراث الولايات المتحدة كثيرا باستخدام نظام بشار للأسلحة الكيميائية. في وضع خطير كالذي أقدمت عليه القوات الحكومية السورية والذي تعتبره الحكومات في جميع أنحاء العالم أحد أسوأ جرائم الحرب، لم تكلف الولايات المتحدة نفسها أكثر من إطلاق بضع عشرات من صواريخ كروز على مطار، ومنحها في الوقت ذاته الأسد فرصة لحماية قواته من خلال إخبار رعاياه الروس مسبقا بأن الضربات وشيكة.
لو كانت الولايات المتحدة تهتم حقا بهجمات الأسلحة الكيميائية بقدر ما تدعي، لكانت وفق هذا المنطق، نفذت عملا أشد لإجبار الأسد على تغيير حساباته، لكن في ضوء ما جرى، ليس هناك أسبابا مقنعة تجعل الأسد يغير نهجه في استخدام الأسلحة الكيميائية، خاصة إذا كان يعتقد أنه لا توجد بدائل لهذه الأسلحة في الحرب الأهلية الدائرة رحاها في سوريا، وهو يتوقع أنه في حالة استخدامه مرة أخرى هذه الأسلحة، لن يتكبد أكثر من ضربة خفيفة مماثلة.
ثم هناك احتمال ثالث، وهو أن يعتقد الأسد أن ترمب أمر بشن الهجمات لمجرد الاستهلاك المحلي، نوع من المسرحيات السياسية المحلية الهدف منها إظهار للرأي العام الأميركي بأن واشنطن مستعدة لاتخاذ إجراءات في مواجهة ما وصفه ترمب بأنه “إهانة للإنسانية”. وفي هذه القراءة، لم يكن القصد من الهجوم أن يشير إلى أي شيء تنوي الولايات المتحدة في المستقبل القيام به ضد سوريا؛ بل مجرد أداء لإرضاء الشعب الأميركي. وإذا اعتقد الأسد أن هذا هو الدافع الأساسي للضربة الأميركية، فمعنى ذلك، ليس ثمة ما يجعله يغير من تقييماته السابقة لكيفية تعامل الولايات المتحدة معه في المستقبل.
وبناء عليه، سيكون لكل تفسير من هذه التفسيرات الثلاثة آثارا مختلفة على كيفية تصرف الأسد. لقد وجهت هذه الضربة إشارة غامضة حول كيفية تقييم الولايات المتحدة لهجوم الأسلحة الكيميائية، ولم توضح كيف أنها سترد في حالة إقدام النظام السوري على إجراءات مماثلة في المستقبل.
مقامرة محدودة المخاطر
