مهند الكاطع – باحث متخصص في التاريخ الاجتماعي للجزيرة السورية والمسألة الكردية في سورية
رحّبت الولايات المتحدة الأميركية قبل أيام، في بيان نشرته سفارتها في دمشق، بما وصفته بـ “التفاهم الأولي”، في ختام مفاوضات الوحدة الكردية التي جرت بين كلّ من المجلس الوطني الكردي من جهة، وقوات الأمر الواقع (التابعة لحزب العمال الكردستاني) من جهة أخرى. ووصف بيان السفارة الأميركية التفاهم الأولي بأنه “خطوة تاريخية مهمة نحو تفاهم أكبر، وتعاون عملي سيفيد الشعب الكردي السوري وكذلك السوريين من جميع المكونات”. ونبّه البيان في مقدمته إلى ما “نقله الوفدان إلى وسائل الإعلام المحلية، من توصلهما إلى مجموعة تفاهمات أولية، باستخدام اتفاقية دهوك 2014، كأساس لمحادثات الوحدة الجارية التي ستغطي الحكم والتعاون الإداري والحماية”.
وأشار بيان السفارة إلى هذا التفاهم، بوصفه “يرمز إلى خطوة أولى مهمة، نحو تنسيق سياسي أكبر بين الفصائل الكردية السورية، بدعم من الولايات المتحدة، وسوف يساهم في حل سلمي للصراع السوري، بموجب قرار الأمم المتحدة 2254، من خلال المساعدة في توحيد جميع السوريين المعارضين لنظام الأسد”.
كنتُ على قناعةٍ منذ أشهر، حين تسرّبت معلومات في شباط/ فبراير 2020 عن محادثات (قسد) في القاهرة، بهدف إدخال (قسد) عبر منصة القاهرة، إلى ساحة المعارضة السورية، بأن هناك محاولةً لتعويم القوات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، وتصويرها على أنها “معارضة سورية”، ويبدو أن الإدارة الأميركية صرفت النظر عن ذلك، ليتم تمرير الأمر عبر إيجاد توافقات تفضي إلى تعويم (قسد)، عبر المجلس الوطني الكردي الذي بات جزءًا من قوى ائتلاف المعارضة السورية منذ سنة 2013، وبيان الإدارة الأميركية الأخير أكد تلك التوقعات.
وبصرف النظر عن المبالغة في عقد الآمال على التفاهمات “غير النهائية” التي أُعلنت في البيان، حيث ما يزال الشك يساور كثيرًا من الأكراد أنفسهم في إمكانية نجاح التفاهمات، فإنه لا بد من أخذ الأمور بواقعية سياسية، تجعلنا نميل إلى الاعتقاد بأن الولايات المتحدة الأميركية قد تحاول، من خلال إظهار البيان الصحفي دون نتائج واتفاقات ملموسة، بعد محاولات دامت أكثر من شهرين، القيامَ بانسحاب تكتيكي من هذه المفاوضات، يحفظ لأميركا ماء الوجه، وذلك بإعلان “تفاهم أولي” يستند إلى اتفاقية دهوك 2014، التي تستند بالأساس إلى اتفاقيات سابقة، في هولير1، وهولير 2، ودهوك (2013- 2012) كلها فشلت، وأعقبها ملحق سنة 2015 كذلك لم يأت بنتيجة ملموسة.
يمكننا هنا تسجيل الملاحظات التالية:
1- من الصعب الحديث عن إمكانية أن يضحي المجلس الوطني الكردي بمكاسبه السياسية ضمن المعارضة السورية ومشاركته في القرار، ليضع نفسه في خانة الشك، عبر التحالف مع مجموعة العمال الكردستاني (التركي) غير الشرعية، التي تديرها عناصر تركية على الأرض، وعُرفت بتحالفها مع النظام ضدّ السوريين عربًا وكردًا.
2- المطّلع على البنية الأيديولوجيّة لحزب العمال الكردستاني يدرك بأنّ حلم مشاركته في تجربة تقاسم النفوذ والإدارة والأمن هو وهمٌ كبير، لكون المناطق التي يجري الحديث عن إدارتها ليست خالية من السكان، وهي مناطق يشكّل العرب فيها أكثر من 85 % من السكان الذين جرّدهم النظام من كل سبل الدفاع عن النفس، وساهم في تسليم مناطقهم منذ عام 2012 إلى حزب العمال الكردستاني، فضلًا عن وجود أقليات دينية ولغوية واثنية، ضمنهم أكرادٌ مستقلون غير معنيين بما يحدث، ولم يُستشاروا فيه.
3- يصطدم الطرفان الكرديان الرئيسان في هذه الاتفاقية، باختلاف المرجعيات السياسية الخارجية لكل منهما، فقوارب المجلس الوطني الكردي تنتهي عند آل البرزاني الذين أشاد البيان بدورهم في الاتفاقية، وذلك بعد الإشادة مسبقًا في البيان الذي صدر للإعلام بالقائد العسكري “مظلوم عبدي” الذي تحوّل، في غفلةٍ من الزمن، من مقاتل في حزب العمال الكردستاني في قنديل، إلى جنرال يُقدّم اسمه في البيان على كل من مسعود البرزاني ونيجرفان! من هنا؛ لا يمكن أن نغفل الأساس الهش الذي صدر البيان من خلاله، وبُعده عن أي سياق مستند إلى مرجعية وطنية سورية بعيدًا عن التبعية الإقليمية التي ترى، في الجزء الذي بات يُسمى منذ عام 2015 “شرق الفرات”، أرضًا كردية، بغرض تكريس واقع لم يرقَ حتى لأن يُشعل صدامًا قوميًا بين أغلبية عربية لم يعكّر صفو تعايشها مع الأقلية الكردية، في الشريط الحدودي، إلا النظام وبعض المزاعم الانفصالية التي بدأت تتبلور بعد الثورة السورية، هذا بخلاف العوائق الديموغرافية والجيوسياسية، ومن المهم أن نعلم أن معظم الكرد غيرُ حزبيين، ولا ينضوون تحت أي من الأطر الكردية السابقة، بالرغم من أن المشاعر القومية تختلج فيهم أكثر من غيرهم في الوطن السوري، بدافع الشعور بالحرمان والمظلوميّة، بشكل قد يجعل العوام يشجعون أي مغامرة غير محسوبة العواقب، ولا يمكن عمليًا تحقيقها على الأرض أو ضمان استمرارها على المدى المنظور.
4- عندما أصدرت أميركا البيان، تعمدت أن تصدره من سفارتها في دمشق، لتؤطر حدود السقف الذي يمكن لها أن تدعم الأكراد من خلاله، وعلى الرغم من أنها استخدمت مصطلح “شعب”، في وصف أكراد سورية كما تحرص القوى الكردية، لم تنسَ ربط ذلك بنسبهم للسوريين، فهم “شعب كردي سوري”، لا كاستخدام الأدبيات القومية الكردية لمصطلح شعب كردي، وشعب آخر سوري، الذي يهدف إلى تسويق فكرة تقرير مصير منفصلة، على اعتبار أن القضية قضية “أرض وشعب”، فضلًا عن ربط ذلك كله بمسألة الحل السوري المستند إلى قرار الأمم المتحدة 2254.