أثناء الحرب الدائرة في سورية تعرضت آثار البلاد للعديد من الانتهاكات كان أبرزها سرقة الآثار المحفوظة بالمتاحف أو ضمن الأبنية الأثرية بالمواقع أو عن طريق الحفر الغير مشروع، الأمر الذي خلف خسائر كبيرة للإرث الثقافي السوري. هذه الأعمال التخريبية تأتي نتيجةً لسنوات من السياسات الخاطئة في عدم إشراك وتوعية المجتمع المحلي بأهمية الآثار وربط هوية المجتمع بتراثه الثقافي، فقد كانت الآثار محمية تحت مظلة القانون والسلطة بشكل نسبي. ومع بداية الثورة السورية والردود التي واجهتها من أعمال القتل والتهجير وضياع الأمن فقدت المواقع الأثرية المظلة الرقيقة التي كانت تحميها وأصبحت سرقة الآثار إما جزء من الأعمال الانتقامية ضد السلطة أو مصدراً للكسب الغير المشروع لبعض الجماعات العسكرية وعلى رأسهم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) الذي نظم عمليات النهب والإتجار وأشرف عليها، والذي أطلق اليد لعناصره لسرقة الآثار في سورية والعراق وتدمير ما لا يستطيع سرقته في خطوة منه لطمس هوية المنطقة من جهة والحصول على مصادر تمويل إضافية من جهة أخرى. ساعده في ذلك وجود سوق سوداء لتهريب آثار المنطقة عبر دول الجوار.
تمكن مركز آثار إدلب مؤخراً، مدعومين من قبل منظمات المجتمع المحلية وبعض السلطات الإدارية والقضائية في محافظة إدلب، من مصادرة عدد من المنحوتات الأثرية الجنائزية التدمرية، وإنقاذها من البيع. وقد تم إيداع القطع المصادرة في متحف إدلب لحمايتها وتوثيقها بشكل منهجي ولدراستها بهدف التعرف على مصدرها الأصلي وكيف وأين تم اكتشافها وسرقتها وتهريبها.
موقع تدمر منذ عام 2011 حتى الآن:
موقع تدمر وكغيره من المواقع الأثرية تعرض للكثير من التدمير والتخريب والنهب، فمنذ عام 2012 انتشرت قوات النظام السوري في معظم المواقع الاستراتيجية والمهمة في البلدة الحديثة أو في الموقع الأثري بهدف فرض قبضتها على مدينة تدمر الحديثة وسكانها. أثناء وجودها في الموقع الأثري قامت القوات السوية بالعديد من التدخلات والتغييرات ما أثر على العناصر المعمارية والعمرانية الأثرية في الموقع. التقارير والصور والتسجيلات التي تم نشرها خلال هذه الفترة توثق وبشكل واضح الاستخدام العسكري للموقع من قبل القوات الحكومية، واستمرار هذا الحال حتى منتصف عام 2015 أي ما يقارب الثلاثة أعوام بين 2012 و2015. خلال هذه الفترة تم توثيق الكثير من الأضرار التي تعرض لها الموقع بسبب فتح الطرقات لتسيير الآليات العسكرية، أو بسبب إقامة المتاريس للجنود إضافة إلى تمركز المدفعية وآلات الحرب الثقيلة فيه. وللأسف تعرض الموقع خلال تلك الفترة للسرقة ولنهب بعض آثاره.

بعد ذلك وفي شهر أيار من عام 2015 دخل تنظيم داعش الإرهابي إلى موقع تدمر الأثري وسيطر عليه ما عرض الموقع لأعمال نهب وتدمير منظمة تعتبر أنها الأسوأ في تاريخ الموقع الحديث.
العثور على القطع المسروقة واستردادها.
كانت مدينة تدمر وما تزال واحدة من أهم المدن السورية العائدة للفترة الكلاسيكية ونظراً للغنى الفني الكبير الذي تمتلكه هذه المدينة كانت مطمعاً للصوص الآثار الذين استغلوا انعزال المدينة وسط البادية السورية وغياب السلطة الأثرية عن الموقع. في الفترة التي سبقت سيطرة تنظيم الدولة على المدينة كانت هناك تقارير تشير إلى وجود تعديات وأعمال حفر غير مشروع بحثاً عن الآثار وخاصة في منطقة المدافن. كما ظهرت عدة تقارير تؤكد على فقدان العديد من القطع الأثرية من مدينة تدمر.
انتشرت القطع الأثرية السورية في السوق السوداء وبدأت بعض هذه القطع بالظهور على شبكة الإنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي بغية بيعها وتسويقها. وكان من جملة ما تم كشفه من هذه القطع مجموعة من المنحوتات الجنائزية التدمرية التي وصلت إلى محافظة إدلب عن طريق شبكات لتهريب الآثار. لم نتمكن من تحديد تاريخ وصول هذه القطع إلى محافظة إدلب بشكل دقيق إلا أننا واثقين من تواجد هذه القطع في المحافظة منذ عام 2016 حيث تم عرضها للبيع وتهريبها خارج الحدود.
بمجرد أن علمنا في مركز آثار إدلب بوجود هذه القطع التي كانت معروضة للبيع عملنا بجد لإحباط تهريبها وبيعها من خلال التواصل مع الجهات والسلطات المحلية والتأكيد على خطورة سرقة الآثار وتهريبها. وبعد القيام بالعديد من الأبحاث تمكنا من تتبع شبكة التهريب إلى مدينة سرمدا على الحدود التركية حيث تمكنا من معاينة المنحوتات والتأكد منها. في تلك الفترة لم نتمكن من معاينة سوى ست قطع ولا ندري إن كان لدى مجموعة المهربين قطع أخرى تخفيها. تمكنا من تصوير القطع الستة وبحسب المعلومات التي أدلى بها المهربين فقد علمنا أن مصدر هذه القطع هو مدينة تدمر وقد تم نقلها إلى إدلب عن طريق مهربين يستخدمون طريق عسكري من خلال عملاء لهم في جيش النظام.
وعلى الرغم من نجاحنا في إيقاف عملية التهريب والبيع في هذه الفترة من عام 2016، إلا أننا لم نتمكن من استعادة القطع الأثرية. وأغلق ملف هذه القطع حينها دون التأكد من سلامة القطع الأثرية وبقائها داخل سورية. بقي الأمر كذلك حتى منتصف عام 2019 حين عادت هذه القطع للظهور ثانيةً وهي لا تزال ضمن الأراضي السورية في محافظة إدلب. ومع إعادة تفعيل متحف إدلب، وإعادة فتح أبوابه ليتابع
مهامه في حفظ التراث والتعريف به، أصبح من الممكن لنا استعادة هذه القطع وحفظها في المتحف. وبالتعاون مع السلطات المحلية والإدارية تمت مصادرة القطع الأثرية بناء على أنها تشكل ملكية عامة للشعب السوري.
تم نقل القطع المصادرة إلى متحف إدلب وإيداعها فيه بشكل رسمي. وهي سبعة منحوتات جنائزية تدمرية تم فحصها في متحف إدلب والتأكد من كونها أصلية تعود للفترة الرومانية وتحمل سمات فن النحت التدمري. أثناء فحصنا للقطع لم نجد إي رقم متحفي أو توثيقي مسجل عليها وبالتالي يصعب علينا تحديد ما إذا كانت هذه القطع تعود لمتحف تدمر أو أحد المدافن التدمرية المكتشفة سابقاً أو أنها نتائج تنقيب سري تم خلال السنوات الماضية، الأمر الذي دفعنا للعمل على تحديد هويتها بشكل أدق.
التحري عن مصدر المنحوتات
من خلال التعاون بين مركز آثار إدلب وجمعية سوريون من أجل التراث (سمات) أطلقنا عملية بحث لتحديد هوية القطع والتأكد من مصدرها. وقمنا بالتواصل مع الباحثين الآثاريين السوريين والدوليين المختصين في الآثار التدمرية بغية مساعدتنا في عملية البحث ومعرفة مصدر المنحوتات. ومن خلال عمليات البحث والدراسة وبمساعدة الباحثة الدنماركية د.روبينا راجا[3] تمكنا من التعرف على القطع الأثرية والتأكد من أن ستة منحوتات منها عائدة إلى مدفن أرطابان في مدينة تدمر وأن هذه القطع الستة هي من ضمن 22 منحوتة أثرية فقدت من هذا المدفن عام 2014 في حين أن القطعة الأخيرة المتبقية تعود إلى مدفن آخر من مدافن تدمر لم نتمكن من تحديده إلى الآن.
المديرية العامة للآثار والمتاحف وعلى موقعها الرسمي، نشرت بتاريخ 31/10/2014 تقرير عن هذه القطعة، التي فقدت من المدفن المذكور. إضافة إلى ذلك وبعد متابعة موقع الإنتربول الدولي تبين لنا أنه وضمن قاعدة البيانات الخاصة بالقطع المفقودة والتي جاري البحث عنها هناك تقرير يضم قائمة مصورة لسبع منحوتات، ستة منها تطابق المنحوتات التي قمنا بمصادرتها. بدأنا التواصل مع الإنتربول للتأكد من هذا الموضوع ومعرفة العدد الحقيقي للقطع المسروقة. حتى هذه اللحظة لا نعلم إن كانت القائمة تضم كل القطع التي أعلنت المديرية عن فقدانها من مدفن أرطابان، أو أنه لم يتم نشر سوى 6 قطع ولماذا. هل تمكنت المديرية من استرداد بقية القطع خلال الفترة بين نهاية عام 2014 وعام 2019؟ يبقى هذا الجانب بحاجة لتوضيح ونحن نعمل على هذا الأمر. علماً أن المديرية العامة للآثار والمتاحف في سورية أعلنت في الفترة الماضية عن استردادها عدد كبير من المنحوتات التدمرية ولكن ليس لدينا تقرير دقيق ومفصل عن القطع التي تم استردادها.
تصوير مركز آثار ادلب
كما تبين لنا أيضاً وجود تحقيق صحفي استقصائي لصالح قناة العربي بعنوان سرقة زنوبيا، تطرق التحقيق لسرقة مدفن أرطبان وكشف عن منحوتة تدمرية عائدة للمدفن المذكور موجودة في تركيا وتم تصويرها من قبلهم بتاريخ 26/08/2018. من خلال مقارنة الصور تبين أن المنحوتة التي كشفها التحقيق الصحفي هي إحدى المنحوتات التي صورها مركز آثار إدلب في العام 2016 ضمن الأراضي السورية وهي غير موجودة ضمن المنحوتات التي بحوزتنا الآن.
مدفن أرطابان
هو أحد المدافن المتواجدة في المقبرة الجنوبية الشرقية ويعرف بالمدفن رقم 5، وهو من المدافن الجنائزية الأرضية، أي أنه عبارة عن غرفة دفن يتم نحتها بالصخر تحت الأرض ومن ثم بنائها وتزويدها بكل المرافق والأبنية الخاصة بالدفن. وهو مدفن عائلي كما هو الحال في الكثير من المدافن في تدمر، قام بتأسيسه أرطابان كمدفن له ولعائلته. يتم الوصول إليه من الخارج عبر درج يفضي إلى باب، بعد دخول الباب ينقسم المدفن إلى ثلاثة أقسام: ممرين على اليمين واليسار يضمان العديد من القبور، وممر ثالث على محور الباب ينتهي بصالة، وفي منتصف هذا الممر وعلى الجانبين توجد صالتين، هذه الصالات ذات مخطط رباعي الاضلاع وكانت مخصص للدفن أيضا.
أثناء الكشف عن هذا المدفن بعام 1958 من قبل المديرية العامة للآثار والمتاحف تم العثور على 25 منحوتة بداخله، 22 منها عبارة عن تماثيل نصفية بارزة، بالإضافة إلى صرح جنائزي وتابوت ومسلة، كل هذه المكتشفات حفظت بداخل المدفن بعد أن تم ترميمه من قبل المديرية العامة للآثار والمتاحف. النقوش و الكتابات التدمرية على هذه المنحوتات لم تذكر أي تاريخ و بالتالي لم يتم تحديد تاريخها بشكل دقيق، ولكن من خلال مقارنتها و أسلوب نحتها يعتقد بأنه تم تأسيس المدفن من قبل أرطابان بن أوجع Artaban son of ‘Oggâ في بداية القرن الثاني الميلادي.
الخلاصة
بالرغم من رصد واستعادة العديد من القطع السورية المنهوبة إلى سورية كما تشير تقارير سابقة إلا أن أهمية هذه العملية تحديداً التي صادرت المنحوتات الجنائزية التدمرية تكمن في الدور الذي لعبه المجتمع المحلي في إنقاذها، وكذلك في تظافر جهود عدة جهات ومؤسسات لإنقاذ هذه القطع. يضاف إلى ذلك الدور الكبير الذي ساهم به الإعلام من خلال التحقيق الصحفي الذي قام به تلفزيون العربي والذي ساعد في كشف خيوط شبكة تهريب لإحدى هذه المنحوتات وربما ساهمت بشكل غير مباشر في وقف بيع وتهريب باقي المنحوتات. وكللت هذه الجهود جميعاً بالنجاح من خلال عمل مركز آثار إدلب منذ العام 2016 لإنقاذ هذه المنحوتات بمساعدة الجهات المدنية والقضائية في محافظة إدلب.
نأمل أن يساهم هذا العمل في الدفع باتجاه سن قوانين خاصة بحماية التراث ومنع الإتجار الغير مشروع به. كما نأمل أن يوضح أهمية منظمات المجتمع المدني أو الجمعيات والمنظمات الغير حكومية والتي يشرف عليها مختصين، وندعو إلى إعطائها دور أكثر فاعلية في حفظ وصون الممتلكات الثقافية وتسهيل تواصلها مع المؤسسات والهيئات الدولية التي تسعى بدورها لحفظ التراث.
ونرجو أن يساعد هذا التقرير في تسليط الضوء على أهمية إنقاذ الآثار السورية المنهوبة والعمل على استعادتها. كما نأمل في معرفة مصير باقي القطع المفقودة من مدفن أرطبان، وتحديد هوية المنحوتة رقم /7/ التي ما زالت مجهولة المصدر بالنسبة لنا.
قائمة المنحوتات التي تم مصادرتها:
المنحوتة رقم (1)
الموضوع: نقش جنائزي نصفي، نافر، يمثل امرأة (بيرتا) وابنتها (مارتا).
المادة: حجر كلسي
الأبعاد: 0.50 × 0.42 × 0.27
مكان وتاريخ الاكتشاف: مدفن أرطبان الذي تم اكتشافه عام 1958، في منطقة المدافن الجنوبية من موقع تدمر.
الفترة الزمنية: 100-130م.
ملاحظات عامة: تظهر على هذه القطة الأثرية بعض الكمخ – وبعض آثار النقر في بعض الأجزاء.
المنحوتة رقم (2)
الموضوع: نقش جنائزي نصفي، نافر، يمثل رجل كاهن (شلامالت).
المادة: حجر كلسي
الأبعاد: 0.54 × 0.42 × 0.30
مكان وتاريخ الاكتشاف: مدفن أرطبان الذي تم كشفه عام 1958، في منطقة المدافن الجنوبية من موقع تدمر.
الفترة الزمنية: 170-200م
ملاحظات عامة: لايوجد
المنحوتة رقم (3)
الموضوع: نقش جنائزي نصفي، نافر، يمثل شاب (شمسيغرام).
المادة: حجر كلسي
الأبعاد: 0.57 × 0.45 × 0.19
مكان وتاريخ الاكتشاف: مدفن أرطبان الذي تم كشفه عام 1958، في منطقة المدافن الجنوبية من موقع تدمر.
الفترة الزمنية: 130-160م
ملاحظات عامة: لا يوجد
المنحوتة رقم (4)
الموضوع: نقش جنائزي نصفي، نافر، يمثل امرأة.
المادة: حجر كلسي
الأبعاد: 0.51 × 0.47 × 0.20
مكان وتاريخ الاكتشاف: مدفن أرطبان الذي تم كشفه عام 1958، في منطقة المدافن الجنوبية من موقع تدمر.
الفترة الزمنية: 200-220م
ملاحظات عامة: نقر بسيط على الشفة والأنف
المنحوتة رقم (5)
الموضوع: نقش جنائزي نصفي، نافر، يمثل امرأة (بيرتع).
المادة: حجر كلسي
الأبعاد: 0.66 × 0.45 × 0.21
مكان وتاريخ الاكتشاف: مدفن أرطبان الذي تم كشفه عام 1958، في منطقة المدافن الجنوبية من موقع تدمر.
الفترة الزمنية: 100-130م
ملاحظات عامة: منقورة بشكل بسيط في الوجه والكف اليمنى
المنحوتة رقم (6)
الموضوع: نقش جنائزي نصفي، نافر، يمثل كاهن (يادي).
المادة: حجر كلسي
الأبعاد: 0.51 × 0.46 × 0.27
مكان وتاريخ الاكتشاف: مدفن أرطبان الذي تم كشفه عام 1958، في منطقة المدافن الجنوبية من موقع تدمر.
الفترة الزمنية: 170-200م
ملاحظات عامة: هناك تشقق في بعض الأجزاء.
المنحوتة رقم (7)
نوع الأثر: منحوتة جنائزية تدمرية، تجسد نقش نصفي نافر.
المادة: حجر كلسي
الأبعاد: 0.54 × 0.46 × 0.25
مكان وتاريخ الاكتشاف: منحوتة تدمرية، لا تتوفر لدينا معلومات عن مكان وتاريخ الاكتشاف.
الفترة الزمنية: غير معروفة.
ملاحظات عامة: لا يوجد.
المصدر: سويريون من أجل التراث