كيف تحولت مدينة تدمر إلى مستعمرة إيرانية وسط سوريا

أصبحت المليشيات الإيرانية المتحكمة الرئيسة بمفاصل الحياة في مدينة تدمر شرقي حمص، منذ سيطرة قوات النظام عليها بعد طرد تنظيم الدولة منها عام 2017، بالرغم من عودة المؤسسات الخدمية الحكومية إليها.

وتضم المدينة اليوم، بالإضافة إلى أهلها الذين قرروا البقاء فيها أو عادوا إليها بعد طرد تنظيم “داعش”، وعددهم لا يتجاوز 100 عائلة، مقاتلين تابعين لميليشيات إيرانية وعراقية مع عوائلهم، راحوا يستولون على أحياء ومؤسسات حيوية داخلها وفي محيطها.

 كيف وصلت إيران إلى تدمر ولماذا؟

تتمتع محافظة حمص، وخصوصاً ريفها الشرقي، بأهمية كبيرة لإيران، فمن خلالها يمكن الربط بين مصالحها و قواتها في سوريا والعراق. 

وأتبعت الميليشيات هذه المنطقة بشكل مباشر لما يسمى بـ«الوقف الشيعي»، كما أنشات الميليشيات الإيرانية عدد من الحسينيات والحوزات في عدة أحياء من المدينة.

السيطرة على أملاك المدنيين لترسيخ الحضور

حي الجمعية الغربية في المدينة، الذي بات اليوم أشبه بمرّبع أمني، هو أحد الأحياء الواقعة على أطراف مدينة تدمر من الجهة الغربية.

ومنذ دخول الميليشيات الإيرانية المدينة تقرّب عدد من أبنائها إلى تلك الميليشيات، مدّعين بأنهم من نسل الحسين بن علي بن أبي طالب، وتلاقت مصلحتهم مع المصالح الإيرانية.

A Syrian boy holds the Iranian flag as a truck carrying aid provided by Iran arrives in the eastern city of Deir Ezzor on September 20, 2017 while Syrian government forces continue to press forward with Russian air cover in the offensive against Islamic State group jihadists across the province.
Two separate offensives are under way against the jihadists in the area — one by the US-backed Syrian Democratic Forces, the other by Russian-backed government forces. The Syrian army now controls around 70 percent of the city and is battling to oust IS from the remainder, according to the Britain-based Observatory.
/ AFP PHOTO / LOUAI BESHARA (Photo credit should read LOUAI BESHARA/AFP via Getty Images)

مقرات القادة الإيرانيين

من خلال أحاديث متفرقة مع عدد من أهالي مدينة تدمر المقيمين داخلها وخارجها، تتقاطع الأدلة بوجود قادة الصف الأول لميليشيا الحرس الثوري الإيراني داخل المدينة، من الجنسيتين الإيرانية والأفغانية،

وتتركز مقرات الإيرانيين وقادتهم في القصر القطري جنوبي المدينة وفي عدة منازل في منطقة الجمعية الغربية  وفي مطار تدمر وفي مبنى البلدية الرئيسي في المدينة

ويجدر بالذكر، أنه ومنذ سيطرة الميليشيات الإيرانية على مدينة تدمر منذ عام 2017، لم تتعرض أي من مقراتهم او معسكراتهم لأي ضربات جوية من أي طرف، ما يجعل مدينة تدمر آمنة بالنسبة لهم.

السيطرة على بيوت المدنيين

استولت القوات الإيرانية على عدد من مرافق المدينة المملوكة للدولة السورية، إضافة للمرافق الجديدة التي أقامتها الجهات التي سيطرت عليها قبلها داخل أملاك خاصة.

يقول مصدر محلي عاش تحت سيطرة داعش في المدينة إن “التنظيم استولى على أحد منازل المدينة وحوله لمشفى ميداني، ثم جاء استخدام الإيرانيين له بمثابة تثبيت لوضع قائم أصلاً،

فيما بعد قررت الميليشيات الإيرانية نقل المشفى إلى مكان آخر، وهو فيلا مكونة من طابقين مملوكة لشخص مدني من اهالي المدينة متواجد في الخارج في منطقة الجمعية الغربية.

وتنتشر اليوم العديد من المقرات الإيرانية في المنطقة الواقعة بين متحف تدمر ومنطقة السوق الجنوبي، بحسب ما يؤكده مصدر داخل المدينة. وبالتواصل مع مالك أحد هذه العقارات المقيم حالياً في الشمال السوري قال إن الميليشيات «عرضت من خلال وسطاء استئجار فيلته، وقامت بالاستيلاء عليها بعد رفضه التأجير».

وسبب اختيار هذه المنطقة يأتي أساساً كون الأحياء الغربية والشمالية من المدينة كانت الأخف تأثراً بالعمليات العسكرية والقصف الجوي الذي ترافق معها، وبالتالي صار القسم الغربي هو الأصلح للعيش بسبب عودة الحياة إليه بشكل أكبر.

عمليات الشراء

مع السيطرة والاستئجار، نشطت في تدمر عملية شراء العقارات والأملاك بقيادة ما تعرف بـ«حركة الجهاد والبناء» التابعة للحرس الثوري، والتي تعتمد بحسب أحد الإعلاميين من أبناء المدينة “على مكاتب تتبع لها بإدارة موظفين لدى النظام السوري، يقومون بشراء الأملاك وتثبيتها بشكل رسمي».

كما استولت تلك الميليشيات برعاية ومساعدة أشخاص مقربين من النظام  السوري من أهالي المدينة، على العديد من الأراضي الزراعية في منطقة الدوة الزراعية غربي المدينة، ويتم زراعتها بمحاصيل منوعة بينها مواد محظورة.

ترميم العقارات لتوطيد العلاقة مع الأهالي

وتسعى الميليشيات الإيرانية ومؤسساتها الخدمية إلى إعادة الحياة تدريجياً إلى المدينة بعد الدمار الكبير الذي طالها، ولهذا تعمد إلى ترميم المنازل من خلال لجان ومنظمات وجمعيات كشفية(تتبع شكلياً للنظام السوري) تزورها بشكل متسلسل ووفق خطة موضوعة تعتمد نظام الدور. وتستهدف اللجان المنازل المسكونة التي لحق بها ضرر، وتصرف مبالغ مادية لترميمها، وليس من وظيفة هذه اللجنة بناء المنازل، وإنما تصليح ما هو مسكون منها.

علي السالم (اسم مستعار) ما يزال مقيماً في مدينة تدمر، يسكن اليوم منزلاً لأحد معارفه بعد أن سوّي منزله بالأرض نتيجة غارة جوية. يقول السالم «عندما وصل الدور إلى حارتنا، دخلت لجنة المنزل الذي أقيم فيه، وقدرت الأضرار وما يمكن إصلاحه، بما يشمل الأبواب والشبابيك والأدراج، ثم صرفت لي مبلغ مليون ليرة استلمتها نقداً لتصليح المنزل. ولم تربط صرف المبلغ بحضور مالك البيت الأصلي أو وجود عقد استئجار. يكفيهم أني أعيش في المنزل».

ويضيف “لا تربط اللجنة تقديم الأموال بأي مقابل، يهمهم تقديم صورة جيدة تجعل الأهالي أكثر قبولاً لهم، كما أن الأهالي في موضع ضعف لا يسمح بالرفض، علاوةً على أن الفقر وعدم القدرة على ترميم المنازل دون مساعدتهم يجعل الناس يقبلون على قبول عروضهم، نحن وهم نعرف جيداً بأننا محتاجون لأموالهم».

بالميرا مونيتور – قسم الدراسات