مدينة تدمر.. عروس الصحراء التي لم تعد عروسًا

شكلت الأثار المتواجدة في مدينة تدمر -“#عروس_الصحراء” كما يطلق عليها- ارتباطاً جذرياً بينها وبين سكان المدينة الذين ألفوا تواجدهم بقربها منذ قديم الزمان، وبات مجرد المرور من قربها يعطيهم الراحة النفسية ويشعرهم بمدى التواصل بين بعضهم البعض.

ولعل التكامل الكبير الذي تحظى به المدينة “ما يمزها عن غيرها من الحضارات الأثرية والانسانية” من المعابد والمسرح والمدافن العامودية والشارع الطويل وحماماتها الشهيرة والقلعة الاثرية، أعطاها انطباعًا خاصًا للأثار السورية، حيث لم يكن لها مثيل على مستوى الدول العربية، وما أعطاها الفرصة الأكبر لتكون وجهة السياح العرب والأجانب.

أهالي المدينة الذين لم يجدوا أي شكل من أشكال ديني لتواجدها فيما بينهم، بل إن معاصرتهم لهذه الآثار أعطتها نظرة الاحترام والاحتفاء بها والمحافظة عليها على مدار الأعوام الماضية، وهو ما أتاح للسكان الانفتاح على مختلف الحضارات غير السورية، نظراً لاختلاط الكثير منهم مع الوفود الأجنبية القادمة بهدف الزيارة.

مثّلت الأثار للمدينيين من سكان #تدمر أحد أركان الحياة الأساسية، فكانوا يشعرون بالانتماء إليها وبروابط لا يمكن شرحها لغير سكان المدينة، تتآلف قلبوهم بقربها، ويشتاقون لرؤيتها إن ابتعدوا وفارقوها، الأمر الذي ولّد لديهم رغبة لا إرادية في متابعة تاريخ الحضارات ومعرفة أصولها، إضافة لمسألة استقطاب السياح الذي فتح المجال أمامهم للاطلاع على عادات وتاريخ الشعوب القادمة من مختلف الانتماءات العرقية، لدرجة أن معظم الشبان أصبحوا يتقنون عدد من اللغات من خلال مخالطتهم للوفود السياحية.

إن #مدينة_تدمر واكبت أحداث الثورة السورية منذ انطلاقتها في العام 2011، وفي سبيل إثبات الأهالي هويتهم كانوا يخرجون في مظاهراتهم السلمية المطالبة بالحرية بالقرب من قوس النصر ومعبد بل (أحد أشهر المعالم الأثرية في العالم)؛ ليقولوا كلمتهم من إحدى أهم المدن الأثرية في سوريا، ولمشاركتها في حراكهم الثوري بحسب الرابط التاريخي الذي يجمعهم معها، مشيراً إلى أن تلك المظاهرات كانت تتم بسرعة نظراً لتواجد قوات الأمن آنذاك بداخلها.

ومع انتشار التظاهرات في عموم أرجاء المدن والبلدات السورية بدأت تتداخل الأحداث ما أدى لانعدام الأمن في مدينة تدمر، الأمر الذي تسبب في بدء عمليات التنقيب من قبل أشخاص معروفين في المدينة، ما دفع الأهالي لتشكيل لجان شعبية لحمايتها، قبل أن يتفاقم الوضع الأمني عقب ارتكاب قوات الأسد للمجزرة الأولى في المدينة التي راح ضحيتها ثمانية أشخاص وعشرات الجرحى، في جمعة بشائر النصر بشهر رمضان عام 2011 الموافق 18 أغسطس (آب) 2011.

وبدأت على أثر ذلك قوات النظام باستقطاب الآليات العسكرية، وكان خرقها الأول بحق الأثار هو إدخال ألياته لضمن الحرم الأثري الذي كان يمنع مسير الأليات الثقيلة بقربه لتجنب أي اهتزازات تؤثر سلباً على سلامتها، وانتشر عقب ذلك حفريات للأليات الثقيلة في الحرم الأثري لمدينة تدمر.

وبعد أن تمكنت قوات الأسد من التمركز بقلعة تدمر وجبل المرصد في نهاية العام 2013 وبداية العام 2014 بدأت باستهداف المناطق الأثرية بيران مدفعيتها بحجة استهداف الثوار الذين كانوا يتمركزون في بساتين مدينة تدمر، والتي أدت لأضرار جسيمة بمعبد بل الأثري.

تحطيم الأصنام!

بعد أن دخلت مدينة تدمر في حكم ظلام داعش انشغل الأخير بجمع غنائم الحرب التي خلفها تواجد قوات الأسد في المدينة ولم يكن يلقي بالاً في بادئ الأمر للأثار، ليتلوها بسنّ قوانينه النافذة على المدنيين، ولعل أبرز تلك القوانين ما سمي “بحق الاكتناز” عبر ديوان الخدمات حينها “ديوان الركاز”، والذي كان معني بشكل مباشر بالأثار المدنية، والذي يتيح لمقاتليه البحث عن الكنوز في باطن الأرض واللقى الأثرية الهامة،

وبحسب القانون السائد آنذاك فإن أي تمثال يتم ايجاده يكسر باعتباره صنماً، فيما يسمح ببيع الذهب والألماس والسجاد، ونظّم القانون عمليات البيع على النحو التالي؛ إن وجدت اللقيا في أملاك عامة فإن حصة التنظيم منها تكون 80% وما تبقى لمن وجدها؛ وإن وجدت في أملاك خاصة “قطعة أرض مملوكة” فإن نسبة صاحب الأرض هي 80% و20% لمن عثر عليها.

تفجير المعابد

برر تنظيم الدولة تدميره لمعابد المدينة وآثارها من قوس النصر والمدافن العمودية والمسرح الروماني بزعم أنها تحتوي على رموز وثنية، تجعل المدنيين يلجؤون إليها من دون الله، فيما برر تفجيره لسجن تدمر الشاهد الأكبر على ما ارتكبته قوات الأسد منذ عهد الأب حافظ بحق المعارضين السوريين بأنه يقوم بذلك لإنهاء حالة الرعب التي بثها نظام الأسد في نفوس السوريين.

قوات الأسد بدورها ساهمت بتدمير سقف المتحف الأثري بعد أن تم استهدافها بإحدى الغارات الجوية، ليكمل التنظيم ما بدأته قوات الأسد من خلال تحطيم جميع التماثيل الموجودة بداخل المتحف، وانتشرت على اثرها سرقة الاثار في المدينة حيث وصلت العديد من القطع الأثرية إلى الشمال السوري، وإلى مناطق سيطرة قوات الأسد وإلى لبنان بتسهيل من قبل عناصر حزب الله اللبناني.

تجاوز عدد سكان مدينة تدمر بها قبيل اندلاع الثورة السورية حاجز الـ 110 آلاف نسمة، عدى عن سكان القرى العمالية المحيطة بها كشركات النفط المتمثلة بالمحطة الأولى والثانية والثالثة والرابعة، وحقل الهيل وأرك، فضلاً عن قرى الفوسفات الصوانة وخنيفيس.

وفي العام السابع من عمر الثورة السورية أجبرت المعارك المندلعة في عروس الصحراء أهلها الذين ربطتهم علاقات وثيقة مع أثارها، للتشرد والنزوح في شتى المدن السورية، فمعظم الأهالي اتخذوا من مخيم الركبان على الحدود السورية الاردنية وعدد من القرى والبلدات في الشمال السوري المحرر وتركيا والدول الأوروبية ملاذاً أمناً لهم، و بعد سيطرة قوات الأسد الاولى على المدينة الي اعقبها سيطرة التنظيم للمرة الثانية، عاد نحو 3 الالف شخص كانوا ضحية مرة أخرى بعد أن تركتهم قوات الأسد ليواجهوا مصيرهم أمام التنظيم الذي اعتقلهم وقتل الكثير، ومن تبقى على قيد الحياة نقل إلى مدينة السخنة وتم اخضاعه لدورات شرعية قبل ما كان يعرف بـ “الاستتابة” وبعدا عودة قوات النظام للمرة الثانية منع الناس من العودة إلى المدينة حتى تاريخنا هذا،

لتصبح “عروس الصحراء” غريبة عن سكانها الجدد الذين قنوها مؤخراً من عناصر مسلحة تتبع ميليشيات النظام و الميليشيات الطائفية التي تدين بولائها لحزب الله، فضلاً عن تواجد المقاتلين الأسيويين وقوات الحشد الشعبي العراقي.

تعليق