
لا تبدو مدرسة “البيت التدمري” الواقعة قرب الساتر السوري في مخيم “الركبان” على الحدود السورية الأردنية من حيث الشكل شبيهة بالمدارس المعتادة، فلا مقاعد خشبية ولا ألواح للتعليم ولا صوت لجرس انتظام الحصص، وحدها رياح السموم الحارة والأتربة والعواصف الرملية تلف خيامها المهترئة لتحول حياة الأطفال الذين يتلقون التعليم داخلها إلى معاناة يومية تتحول في أحيان كثيرة إلى عواقب لا تُحمد عقباها وخصوصاً أيام الشتاء مع اشتداد العواصف والأمطار.
في خيام متناثرة تم إعدادها خصيصاً لتكون مقراً للمدرسة وبكادر مؤلف من 13 مُدرّسة وثلاثة مدرسين تم إنشاء هذا المشروع التعليمي عام 2016.
وأشار مؤسس ومدير مشروع البيت التدمري “محمد طه” إلى أن المدرسة أُنشئت قبل سنتين بإمكانيات بسيطة وبتطوع ذاتي من المدرسين الذين تمكنوا -كما يقول- من تأمين سوية مقبولة من التعليم وفق المناهج السورية المعدلة لـ445 طالباً وطالبة من طلاب المرحلة الابتدائية في السنة الأولى، وازداد العدد في السنة الدراسية اللاحقة ليصبح 640 طالباً نتيجة تجاوب الأهالي مع فكرة المدرسة وجديتها في منح التعليم الجيد للأطفال رغم صعوبة الظروف فيها.
ويقع مخيم “الركبان” على الحدود مع الأردن- جنوب شرق الأراضي السورية، في المنطقة المنزوعة السلاح بين البلدين، وقد فرّ إلى هذه المنطقة آلاف السوريين بحثاً عن الأمان، غالبيتهم من مدينة تدمر والمناطق القريبة منها و”القريتين” و”مهين” وريف حمص، فيما يقطن حوالي 15 ألف نازح في المناطق القريبة من المخيم. ويعاني هؤلاء النازحون –حسب محدثنا- من تدهور الظروف الإنسانية والظروف المناخية الصعبة، حيث يعيش معظم سكان المخيم في خيام، معظمها في حاله سيئة، وتنعدم فرص العمل الدائم أو الدخل الاقتصادي الثابت، الأمر الذي جعل حياة النازحين -كما يقول- مأساوية وخاصة في ظل غياب شبه كامل للعمل الإغاثي أو المنظماتي لنجدة أهالي المخيم.

ووسط هذه الظروف المحبطة تأسست “مدرسة البيت التدمري” التي تُعد أول مدرسة متكاملة في المخيم ببرنامج تعليمي متكامل وبتطوع من كادر تدريسي مجاز ومتمرس، وقد سبقتها قبل ذلك مدرسة في خيمة لتتوالى بعدها المدارس والتي يمكن حصرها بأربعة مدارس كبيرة نوعاً و50 صفاً إفرادياً متوزعة داخل قطاعات المخيم إضافة لمدرسة “البيت التدمري”.
تتألف مدرسة “البيت التدمري” من 12 قسما وهي عبارة عن 4 خيم كبيرة تُقسم كل خيمة منها إلى 3 شعب وتبلغ سعة كل شعبة بحدود 53 تلميذاً وتلميذة ليصل العدد الإجمالي إلى 640.
ويتم تدريس العديد من المواد وفق منهاج “يونسيف” إضافة إلى المنهاج السوري، ومنها اللغة العربية والانكليزية والرياضيات والاجتماعيات والعلوم والتوعية الصحية والبيئية، وثمة حصص نشاط للرسم والموسيقا والرياضة.
مدير شؤون المدرسة والعلاقات الخارجية والمسؤول الإعلامي “حمود خضر زكريا” أشار في حديث لـ”زمان الوصل” إلى أن هناك اتجاها لاستيعاب 500 طفل وطفلة يتلقون تعليمهم حسب المناهج المتبعة في المنطقة، بالإضافة لصفوف خاصة للأطفال بين 8 و14 سنة ممن فقدوا قدراتهم عل القراءة والكتابة أو ممن لم يدخلوا مدرسة نهائياً بسبب ظروف النزوح.

وأبان “زكريا” أن “هناك فكرة لتطوير المدرسة لتكون على شكل خيم مجهزة ومفروشة دافئة بالشتاء لتوفير أقصى ما يمكن من ظروف تساعد الأطفال على تلقي تعليمهم، مشيراً إلى أن “تغريبة النزوح قد تقصر وقد تطول، لكن علينا ان لا نهمل مستقبل أطفالنا الذي يتوجب أن يكون العلم أساسه”.
ولفت محدثنا إلى أن المدرسة تعرضت كما المخيم لعواصف غبارية ورعدية مطرية شديدة في الأشهر الأخيرة، ما جعل خيامها في حالة يرثى لها، ممزقة في أغلبها كما تعرضت هياكل هذه الخيام المعدنية -حسب قوله- لأضرار كبيرة، ورغم ذلك أصر الكادر التدريسي على استمرار العمل وإتمام العام الدراسي.
وتمكنت إدارة البيت من ترميم خيام المدرسة بشكل جزئي ليحتمي بها الطلاب صغار العمر بالإضافة لأعمال ترميم بعد كل عاصفة جوية تضرب المخيم، مضيفاً أن التدريس استمر تحت سقوف الخيم الممزقة أو في الهواء الطلق إلى أن اختُتم العام الدراسي بحفل تقاسم فيه الأهالي والطلاب والكادر التدريسي دموع الفرح ولوعة القهر والتصميم على المتابعة والإيمان بأن القادم سيكون أفضل.
وتشير إحصائيات حصلت عليها “زمان الوصل” إلى أن هناك حوالي 23 ألف تلميذ وتلميذة في مخيم “الركبان” أكثر من نصفهم بين 6 سنوات و13 عاماً ممن يستحقون التعليم في المرحلة الابتدائية، وتشكل التلميذات نسبة 46،23 % منهم فيما يبلغ عدد المتسربين من التعليم حوالي 3 آلاف طفل.