مخيم “الركبان” يلفظ سكانه … إلى أين رحل النازحون؟

أطفال في مخيم الركبان

لم تعد الخريطة الديموغرافية لمخيم الركبان للنازحين السوريين كما كانت عليه سابقاً، المخيم الذي يقع عند المثلث الحدودي السوري –  العراقي – الأردني في الداخل السوري، في منطقة نائية قاحلة تماماً، كان عدد القاطنين فيه 120 ألف نازحٍ، وأصبح اليوم 8 آلاف شخص فقط. 
أقيم المخيم في منتصف العام 2015 بعد سيطرة تنظيم”داعش” على مناطق الرقة ودير الزور وتدمر وغيرها من المدن السورية، وأصبح مأهولاً بطالبي اللجوء إلى الأردن، إلا أن الحكومة رفضت فتح الحدود أمامهم بعد أن وصل عدد اللاجئين السوريين في الأردن إلى 1.3 مليون لاجئ، إضافة إلى مخاوف أمنية من وجود خلايا إرهابية نائمة تتبع التنظيم الإرهابي بين صفوف سكان المخيم.
وقال المتحدث الرسمي باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين محمد الحواري إن منطقة الركبان تطورت بشكل ملحوظ منذ بداية إنشائه، إذ بدأ على شكل نقطة استقبال للاجئين ثم تطور الى مجمع من الخيم، واستقر به نحو 120 ألف لاجئ.
وذكر الحواري بأن المخيم استقبل نحو 340 ألف لاجئ دفعة واحدة من مناطق محافظة درعا، بعد وقوع اشتباكات مسلحة عنيفة هناك، ولكن سرعان ما عاد أهالي درعا إلى بيوتهم، وبقي اليوم في المخيم 8 آلاف شخص هم من سكان المنطقة الأصليين. 
وأكد الحواري أن المفوضية والأردن قدما المساعدات عبر الممرات الإنسانية لسكان المخيم على مدار الأعوام الماضية، وكون المخيم يقع داخل الحدود السورية، فلا توجد صفة رسمية لعمل المفوضية داخل الأراضي السورية. 
وقال الحواري إن المفوضية تضيف صوتها، كجزء من الجهد الإنساني الأوسع في سوريا، إلى أصوات الأمم المتحدة ونداءاتها الأوسع نطاقاً، لكل الأطراف على الأرض السورية لتسهل تسليم المساعدات إلى داخل الركبان وإعادة تقييم الوضع القائم على الأرض، وإن الوصول المستمر الى الداخل يعني استمرار الإمدادات المنقذة لحياة السكان هناك، ورصد توزيع المساعدات وتنفيذ التقييمات الخاصة بالاحتياجات، وفقاً لما ينص عليه القانون الإنساني الدولي.

لماذا أغلق الأردن حدوده مع الركبان؟ 

في عام 2016 استهدفت سيارة مفخخة قادمة من تجمع الركبان نقطة حدودية أردنية  للجيش مخصصة لتوزيع المساعدات الإنسانية على النازحين، أسفرت عن مقتل وإصابة عشرات الجنود الأردنيين، وتبنى تنفيذ العملية حينذاك تنظيم “داعش”، ما دفع الأردن إلى إغلاق حدوده الشمالية والشرقية بشكل تام في تلك المنطقة، وجعلها مناطق عسكرية، تحسباً من تسلل إرهابيين إلى أراضيه.
وكانت المفوضية قبل عام 2016 تقدّر المخاوف الأمنية الأردنية من عدم فتح الحدود للنازحين السوريين وتعتبرها “مشروعة”، إلا أنّها كانت في الوقت نفسه تواصل حضّ الأردن على السماح لسكان المخيم بدخول البلاد، التي استقبلت نحو 1.3 مليون لاجئ.
وكان وزير الخارجية السابق ناصر جودة صرح في مؤتمر صحافي بعد الحادث الإرهابي آنذاك رداً على المطالبات الدولية بقوله: “لسنا بحاجة إلى هجوم إرهابي شنيع مثل هذا الهجوم لنثبت للعالم شرعية مخاوفنا الأمنية”.
وأضاف جودة: “لن نعرض حياة جنودنا وبلدنا للخطر لأن هذه ليست مشكلة الأردن وحده، إنها مسؤولية دولية، لقد قدم الأردن للاجئين ما لم يقدّمه أي بلد آخر”، وشدد على أن قوات حرس الحدود لن تتسامح مع أي حركات غير منسّقة تقترب من حدود الأردن، وأن القوة ستستخدم ضدها بشكل حاسم.
وأكد الناطق الإعلامي باسم وزارة الخارجية ضيف الله الفايز في وقتٍ سابقٍ، أن الأردن ينظر الى ملف مخيم الركبان بوصفه قضية سورية، وأن المخيم يقع داخل الحدود السورية ولا يمتلك الأردن أي سلطة على تلك الأراضي حتى يسمح بدخول المساعدات إليه. 

الإغلاق مستمر مع كورونا 

أبلغ الأردن المبعوث الأممي الخاص إلى سورية غير بيدرسون، العام الماضي أنه لم يسمح بدخول مساعدات إلى سكان تجمع الركبان في الداخل السوري، بحسب الخارجية، التي أضافت أنها لن تسمح لأي أحد موجود هناك من الدخول إلى الجانب الأردني مهما كانت الأسباب، أو حتى مرور قوافل المساعدات إلى التجمع، تحسباً لدخول فيروس كورونا المستجد، ضمن اجراءات البلاد الوقائية ضد الفيروس.
وأشار مصدر أردني مسؤول رفض الكشف عن هويته إلى أن موقف الأردن الرسمي الذي أعلنه في الربع الأول من عام 2019، يتمثل في أن حل مشكلة مخيم الركبان تكمن في تفكيكه بعد انتهاء سيطرة “داعش” على الأرض، وإمكان عودة القاطنين فيه إلى بلداتهم.

اتهامات روسية – أميركية

واتهمت روسيا أخيراً في بيان صحافي، الولايات المتحدة، بممارسة ضغط على الأمم المتحدة، لإيصال المساعدات الإنسانية الأممية إلى مخيم الركبان واستغلالها في تموين المسلحين الموالين لها. ووصف البيان مخيم الركبان بأنه “مصنع أميركي لتدريب المتطرفين”، مضيفاً أن “الولايات المتحدة تعرقل إلغاء هذا المخيم، الأمر الذي يمنع استعادة السيادة والحياة السلمية في سورية”.
وشددت روسيا على “استعداد الحكومة السورية لاستقبال كل المواطنين في الركبان وضمان أمنهم وتوفير الظروف المعيشية الكريمة لهم”.
وردت واشنطن على البيان الروسي بالقول إن “الولايات المتحدة تدعم تحركات مستنيرة وآمنة وطوعية وكريمة للنازحين داخل سورية”، ودعت بشدة كل الأطراف إلى “العمل مع الأمم المتحدة لضمان أن تتوافق أي خطوات مقترحة مع المبادئ المحددة من قبلها في ما يخص النازحين في الداخل، وأن يتلقى النازحون المعلومات التي يحتاجون إليها لاتخاذ قرارات إرادية ومستنيرة حول تحركهم وسلامتهم”.
والمخيم يقع ضمن منطقة تحمل اسم “منطقة 55” المحمية من قوات التحالف الدولي المتمركزة في قاعدة التنف بقيادة الولايات المتحدة، ويستهدف التحالف على الفور أي قوات للنظام السوري أو للمليشيات الإيرانية، يمكن أن تقترب من حرم القاعدة الذي حدّده التحالف بـ55 كيلومتراً في محيط قاعدة التنف.
ويدير المنطقة من الداخل فصيل يعرف باسم “جيش مغاوير الثورة“، يقوم بفرض سيطرته على مخيم الركبان وادارته بالتعاون مع قوات التحالف، ويدخل في اشتباكات مسلحة مع قوات النظام إو ميلشيات إيرانية او تنظيم “داعش”، بحسب المصدر. 
وكانت قوات النظام السوري حاولت خلال السنوات الماضية الاقتراب من منطقة الـ55، إلا أنها قوبلت بقسوة من التحالف الدولي، الذي استهدف أواخر العام 2018 رتلاً عسكرياً تابعاً لـ”الفرقة الثالثة” التابعة لقوات النظام، بصواريخ راجمة من منظومة “هيمارس”، بعد دخوله “المنطقة المحرمة” داخل “منطقة 55”.
وتقع قاعدة التنف، التي أنشأها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة عام 2014، غرب الحدود العراقية بمسافة 22 كيلومتراً، وتبعد نحو 22 كيلومتراً عن الحدود السورية – الأردنية، وهي تعد من أهم القواعد العسكرية للتحالف الدولي في سوريا.
وتنشط فصائل عدة تابعة للمعارضة السورية في المنطقة، وتتلقى دعماً من التحالف الدولي، أبرزها ما يسمى “جيش مغاوير الثورة”، والذي تأسس عام 2015 تحت قيادة العقيد مهند الطلاع المنشق عن قوات النظام، في ذروة الحرب على تنظيم “داعش”، وذلك من مقاتلي ما كان يسمى “الجيش السوري الحر”. 
وكان تنظيم “داعش” سيطر على مجمل البادية السورية، بما فيها معبر التنف الحدودي مع العراق خلال عامي 2014 و2015، قبل أن يخسر معظم المناطق التي سيطر عليها في سوريا بدءاً من العام 2016، وانتهاءً بمطلع العام 2019. ولم يسبق للتنظيم أن حاول الاقتراب من محيط قاعدة التنف، إذ يقتصر نشاطه على المناطق التي تخضع لسيطرة قوات النظام ومليشيات إيرانية، والممتدة من ريف حمص الشرقي وحتى ريف دير الزور الشرقي الذي تسيطر عليه فعلياً ميليشيات مدعومة من “الحرس الثوري” الإيراني، بحسب المصدر الأردني.

اسعار “جنونية” داخل المخيم 

الأوضاع في مخيم الركبان قاسية، مع غياب للخدمات الصحية والتعليمية ومياه الشرب النظيفة والحليب والأدوية للأطفال، وانعدام وسائل التبريد والتدفئة هناك، اذ توفي ثمانية أطفال في شتاء 2019 نتيجة البرد القارس، بحسب خالد العلي أحد نشطاء مخيم الركبان.
يقول العلي: “منذ نحو عام لم تدخل إلى المخيم أي منظمة، والوضع الإنساني سيئ للغاية، يكاد بعضنا يموت من الجوع في ظل غياب مادة الطحين، وغياب الحليب للأطفال الرضع”.
ومنذ منتصف آذار (مارس) 2020 الماضي والحدود الأردنية مغلقة بسبب إجراءات احترازية لمواجهة وباء كورونا المستجد، ما أوقف عمل عيادة الأمم المتحدة، هذا الإغلاق دفع سكان المخيم الى  الاستعانة بخبرات بعضهم الطبية، لإنشاء ما يشبه المركز الطبي لإجراء عمليات الولادة الطبيعية، بحسب العلي.
وبيّن العلي أن النازحين الذين كانوا يعيشون في المخيم عادوا إلى مدنهم في حمص وحماة بعد تأمين ممرات عودة آمنة لهم بالتنسيق مع قوات التحالف وروسيا والنظام السوري.
ويعتمد سكان المخيم على التهريب في ايصال المواد الغذائية عبر ممرات خاصة يستخدمها المهربون باتجاه الداخل السوري وقد ارتفعت أسعارها بطريقة “جنونية”، بحسب العلي، ويقول: “يبلغ سعر شوال الطحين في حمص 50 الف ليرة، يصل إلى داخل المخيم بـ 200 الف ليرة، وذلك بعد دفع الرشوة والإتاوة على الحواجز المؤدية إلى المخيم”. 
ومع انعدام فرص العمل داخل المخيم، فإن سكانه يعتمدون على استقبال الحوالات المالية من أصدقائهم وأقربائهم الموجودين في الداخل السوري أو بلدان أخرى مثل الأردن أو تركيا أو أوروبا، بحسب العلي، الذي أكد وجود محلي صرافة داخل المخيم. وعند سؤاله عن طريقة توفير المال داخل المحلين، في ظل عزلته المفروضة من قوات النظام السوري وإغلاق الحدود الأردنية والعراقية معه، لم نجد إجابة عن التساؤل.
راشد العساف-النهار العربي