مجزرة تدمر:بعد 41 سنة مستمرون إلى أن تأخذ العدالة مجراها

رفعت الأسد قائد سرايا الدفاع سابقاً، ومنفذ مجزرة سجن تدمر الفظيعة في 27 حزيران / يونيو 1980 الذي يعيش في المنفى في أوروبا منذ 1984، وبعد قطيعة مع نظام أخيه حافظ شريك المجزرة ثم وريثه في الحكم وابنه بشار، حضر مؤخراً إلى مركز الاقتراع في مدينة باريس ليدلي بصوته في مهزلة إعادة تنصيب ابن أخيه بشار حاكماً جزاراً على رقاب السوريين، في محاولة لرأب التصدع داخل التشكيلة المسيطرة على الحكم في سورية وربما في مسعى للهروب من القضايا القانونية التي تلاحقه في أوروبا سواء منها ما يتعلق بفساده ومخالفته للقوانين أو ما يتعلق بمجازره وجرائمه ضد الإنسانية في ثمانينات القرن المنصرم.  

شهدت سورية في عقد الثمانينات من القرن العشرين سلسلة من الجرائم ضد الإنسانية، حيث قُتل آلاف السوريين خارج نطاق القانون، فيما اختفى آلاف آخرون بشكل قسري، واعتقل آلاف دون سند قانوني لفترات مختلفة، ومورس بحقّهم أثناء اعتقالهم ممارسات وحشية أفضت إلى مقتل عدد كبير منهم.

شكّلت #مجزرة_تدمر واحدة من أسوأ الجرائم التي ارتكبت في تلك الحقبة، فقد استهدفت من جهة معتقلين عزّلاً لم يقوموا بعمل يستحق من الناحية القانونية القتل بدم بارد داخل زنازينهم، وإن عكست من جهة أخرى أخرى العقلية الاستئصالية المريضة لنظام آل الأسد ونفسية الانتقام المافيوية التي كانت تتحكم به، ممثلة برأسيه حافظ ورفعت الأسد، حيث استُهدف أشخاصٌ لم يُعتقلوا أصلاً وفق أي قواعد قانونية، ولم تثبت عليهم أي تهم وفق أي قانون حتى الجائر منها، وكانوا يخضعون أصلاً لعمليات إعدام إعتباطية، كما تُظهر شهاداتُ المعتقلين الذين شاء القدر أن يخرجوا من ذلك السجن الرهيب لاحقا ويكتبوا عن معاناتهم ويدونوها.

ورغم استهداف المجزرة  لمعتقلين في سجنٍ لا يمكن الوصول إليه في وسط الصحراء ومحروس بأشرس وحدات النظام، ولا يُعرف الداخلون إليه، وكان من الممكن أن يندثر ما حدث فيه أو لا تُعرف وقائع المجزرة إلاّ بعد سنين عديدة وبشكل موجز، إلا أن مجزرة سجن تدمر حظيت بتوثيق مختلف عن أي مجزرة أخرى، حيث أدّت سياسة الإرهاب الخارجي التي اتبعتها الأجهزة الأمنية لحكم آل الأسد آنذاك، وعلى رأسها ميليشيا سرايا الدفاع، إلى الكشف عن المجزرة، عندما قام بعض عناصر سرايا الدفاع ممن شاركوا في تنفيذ مجزرة تدمر بالسفر إلى الأردن لاغتيال رئيس الوزراء الأردني الأسبق مضر بدران، لكن المحاولة باءت بالفشل، وألقي القبض على المنفذين، وقدموا ضمن اعترافاتهم تفصيلاً لأعمال المجزرة.

وعلى الرغم من انتشار أخبار المجزرة والعثور القوي على آثارها من قبل معتقلين دخلوا السجن بعد المجزرة مباشرة، وبعد اعتراف رفعت بها في مجالسه الخاصة وتم تسريبها بطرق مختلفة، ولكن لسخرية الأحوال وفي 19/8/2015 نفى المحامي رئبال بن رفعت الأسد وقوع مجزرة سجن تدمر على شاشة بي بي سي عربي في برنامج لمقدمته جيزال خوري، واتهم رئيس اللجنة السورية لحقوق الإنسان بتلفيق هذه المجزرة، لكنه اعترف بوجود إعدامات جماعية في سجن تدمر  كالتي صرح بها الجنرال مصطفى طلاس لمراسلة مجلة دير شبيغل الألمانية سوزان كوليبل في 21 شباط/ فبراير  2005 بأنه كان يوقع على 150 حالة إعدام أسبوعياً في دمشق في أوائل الثمانينات، واتخذ رئبال من هذا التصريح ذريعة لتبرئة والده وإلصاق التهمة بغريم والده في الحكم  مصطفى طلاس بينما تبين الحقائق بأنهم جميعاً ولغوا في الدماء والفساد والإجرام. 

لكن اللجنة السورية لحقوق الإنسان وفي بيان أصدرته 12/9/2015 أعادت تأكيد اتهامها لرفعت الأسد، بصفته قائد سرايا الدفاع آنذاك، بارتكاب المجزرة، واستعدادها للمرافعة قضائياً عن هذا الاتهام لا سيما بعد ظهور شهود جدد رووا  ما حصل قبيل المجزرة بأيام من إعادة توزيع للمعتقلين على مهاجع حسب تصنيفهم السياسي، وما حصل صباح يوم المجزرة من حضور طائرات إلى محيط السجن  ثم إطلاق النار لمدة طويلة داخل السجن ذلك اليوم ومشاهدة الدم يسيل من تحت أبواب الزنازين. ومن الشهود من دونت شهاداتهم بدقة ومنهم من خرجوا على شاشات الفضائيات، كما أدلى سجانون سابقون في #سجن_تدمر انشقوا عن النظام فيما بعد بشهاداتهم التي تؤيد ما حدث في ذلك اليوم الرهيب، إذ تؤكد الحقائق والروايات أن ما بين 800 و1200 معتقل في سجن تدمر العسكري أطلق عليهم الرصاص في زنازينهم في صباح 27 حزيران 1980 بدون جرم اقترفوه أو تهمة وجهت إليهم.

وخلافاً لرئبال فقد كتب أخوه فراس بن رفعت الأسد مؤخراً يفضح ممارسات والده ويتبرأ منها حينما أعلن في منشور له على  صفحته على الفيسبوك في 2/6/2021  يفضح جرائم والده:  “هدية مني لأرواح ألف إنسان قتلهم رفعت الأسد وهم خلف قضبان زنازينهم بلا حول و لا قوة”، مشيرا إلى ما عرفت لاحقا بـ”مجزرة سجن تدمر”،  و”هدية مني.. لأرواح الأمهات الحوامل اللواتي بُقرت بطونهن في حماه بحربات البنادق بأوامر من رفعت الأسد.. هدية مني.. لكل امرأة دمشقية لم تسلم من شهوات رفعت الأسد.. هدية مني.. لكل علوي وضع ابنته في بيوت رفعت الأسد لتصبح عاهرة له ولأولاده”.

ولقد تمكّن رفعت الأسد وبقية الجناة خلال السنوات الإحدى والأربعين الماضية من الإفلات من العقاب بفضل الحماية الواضحة التي قدّمتها له بعض الدول الأوروبية،  في استخفاف صارخ بابسط مبادئ حقوق الإنسان التي يدعونها. وساعدت هذه السياسة الممنهجة على تشجيع الانتهاكات والجرائم الخطيرة التي شهدتها سورية خلال السنوات العشر الماضية من عمر الثورة السورية تحت حكم بشار الأسد.

إن اللجنة السورية لحقوق الإنسان وهي من أوائل من تابع ملف مجزرة تدمر وأخواتها، وتابعها على مستويات متعددة، تكرر إدانتها القوية لهذه المجزرة البشعة ولكل المجازر التي تورط بها النظام وداعموه، وتدين الاعتقال خارج نطاق القانون الذي تمارسه أجهزة مخابرات النظام السوري بدون مرجعية قضائية ولا رقابة تنفيذية، وتطالب بالكشف عن مصير المختفين من معتقلي الثمانينات، وتطالب بالإفراج الفوري عن كافة المعتقلين خلال السنوات العشر المنصرمة من ثورة الشعب السوري التواق للحرية والكرامة، والكف الفوري عن الاعتقال والإخفاء القسري والتعذيب، وسيظل ملف المجازر والاعتقال والقتل تحت التعذيب والإخفاء القسري الذي يمارسه النظام السوري حاضراً وسوف نستمر بالمطالبة بمحاسبة كل من تورط فيه آمراً ومنفذاً حتى تتحقق العدالة.

تعليق