كتب مركز جسور للدراسات تقريرا عن الاستراتيجية الروسية في سوريا، ومآلات الدور الروسي مستقبلاً، بعد استقرار القوة والنفوذ وإدارة الملف السوري في يد روسيا بشكل كبير.
وتشكّل روسيا اليوم الدولة الأكثر تأثيراً وفاعلية على الأرض، وقد استطاعت إحداث تغير كبير في مجريات المعركة هناك، واستطاعت فرض خياراتها حتى الآن.
فيما لا يبدو على المستوى المنظور أن هناك أيّ طرفٍ يرغب أو يستطيع إخراج روسيا من الملف السوري، بما يعني أنها ستبقى فاعلة هناك على المدى الطويل.
ومنذ تدخلها العسكري في عام 2015، تحوّلت روسيا بشكل تدريجي إلى الفاعل الرئيسي في سورية، بعد توكيل الولايات المتحدة إلى روسيا مهمة إدارة الملف السوري، ونقلت الجانب الإيراني إلى طرف هامشي في معادلة المعسكر المؤيد للنظام، ثمّ تولّت تحييد بقية الفاعلين المنافسين للنظام، سواء على المستوى الدولي والإقليمي، أو حتى على المستوى الفصائلي.
وأضاف التقرير أن روسيا عملت منذ دخولها إلى اللعبة السورية كفاعل رئيسي على تشكيل مقاربتها الخاصة تجاه الخصوم والفاعلين الدوليين والإقليميين والمحليين، وتمكّنت في نهاية المطاف من تحييد جميع الأطراف ودفعها للقبول بالطرف الروسي كطرف ضامنٍ، حتى في الاتفاقات التي يكون هو الطرف الرئيسي فيها.
وعملت روسيا على الضغط على الفاعليين المحليين بالقوة النارية المفرطة من أجل خفض سقوف توقعاتهم ومطالبهم السياسية، ثم تحوّلت معهم إلى سياسة الاحتواء والتسوية، بالشكل الذي يُحافظ على وجودهم تحت سقف الخيارات الروسية.
ماذا تريد روسيا من التدخل سوريا؟
خلص التقرير في هذه الفقرة إلى أنه حين يتم قراءة الموقف الروسي من الأزمة السورية منذ بدايتها، وما دفع روسيا لاتخاذ قرار المشاركة الحربية يبرز عامل استراتيجي أساسي في الموقف الروسي وهو كسر “الجمود الاستراتيجي”، وهو، كما تراه النخبة الروسية، السبب الذي أبقى روسيا تابعة للهيمنة الغربية في القضايا العالمية والإقليمية أيضاً، وما أدى إلى تضييق وتقييد سلطة روسيا السيادية محلياً وإقليمياً ودولياً.
ولذلك، فإن القصد الاستراتيجي من موقف روسيا تجاه الأزمة السورية، بما فيه القرار الروسي بالتدخل عسكرياً بالأزمة السورية، هو كسر هذا الجمود بأي ثمن تقريباً، لتكون اللاعب الرئيس في أبرز أزمة في الشرق الأوسط، والتي قد تكون بوابة حقيقية لإعادة رسم المنطقة والنفوذ الدولي فيها في آن معاً. وذلك ما دفع روسيا بكامل إرادتها السياسية والعسكرية للتدخل العسكري في سورية.
وساعد التدخل العسكري الروسي في سوريا في رفع شعبية الرئيس بوتين داخلياً، حيث أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا بعد ضمها لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا، وتدني أسعار النفط دفع الملايين من المواطنين الروس للدخول في الطبقة الفقيرة، وجاءت العمليات في سورية لتشغل المواطنين عن الأوضاع الداخلية وترفع مستوى الشعور بالاعتزاز الوطني.
مستقبل الدور الروسي في سوريا
أما عن مستقبل الدور الروسي في سوريا، فلقد استطاعت روسيا بتدخلها العسكري تحصين النظام السوري من السقوط، مع الاعتراف بالقوى الموجودة على الأرض بحكم الواقع في ذات الوقت.
وبحسب التقرير يعتقد أن روسيا ستستمر في وجودها في سورية لمدى طويل، من أجل تحقيق دورين أساسيين، أحدهما سياسي وآخر ديمغرافي.
الدور الأول، بصفتها قوى كبرى تحمي مصالحها بالوصول إلى المياه الدافئة، ويتمثل بضمان حماية منطقة جغرافية متصلة قابلة للحياة، وهو ما تسميه بـ”سورية الفاعلة”، أو يمكن تسميتها بـ”سوريا الصغرى”، والدور الديمغرافي لروسيا بصفتها قوة مسيحية أرثوذوكسية تحاول تحقيق حلمها التاريخي بوجودها بثقلها الديني في المنطقة منذ الامبراطورية العثمانية، ويتمثل بخلق دولة أقليات نخبوية ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، ومثالاً لتعايش المكونات معاً.
وتمثّل مناطق خفض التصعيد التي ترعاها روسيا ترسيخاً لنوع من الفصل بين المكونات، وإقامة حدود بين المناطق، بما يمهّد بأفضل الأحوال إلى حلّ فيدرالي، ومناطق متصارعة مع بعضها البعض، لا يمنعها من الاقتتال البيني إلا الوجود العسكري الروسي طويل المدى!.