رغم جهودها لعقد مؤتمر اللاجئين السوريين فشلت مساعي موسكو في ابتكار حلول سياسية واقعية ترضي أطراف الأزمة السورية وبقيت تتمسك بتكرار التكتيك نفسه.
ترى روسيا، الساعية إلى دعم حليفها في دمشق، أزمة اللاجئين السوريين ورقة يمكن من خلالها الضغط على تركيا وأوروبا والولايات المتحدة للتخفيف من شروطها التي وضعتها عقبة في وجه إنهاء النزاع المستمر منذ قرابة عشر سنوات. غير أن المراقبين يعتقدون أن مؤتمر اللاجئين السوريين الذي ترعاه موسكو لا يعدو أن يكون مدخلا مقابل خدمة تقدمها لنظام بشار الأسد لتحقيق مكاسب سياسية وربما أيضا ميدانية يمكن أن تستفيد من تبعاتها في حال حصلت متغيرات في المنطقة خلال المرحلة المقبلة.
بذلت روسيا قصارى جهدها لعقد مؤتمر دولي حول اللاجئين السوريين، الذي بدأ الأربعاء في العاصمة دمشق، حيث أوفد الرئيس فلاديمير بوتين، مبعوثه الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، في زيارات مكوكية إلى كل من بغداد وعمّان وبيروت، لحشد تأييد للمؤتمر.
وطيلة الفترة الماضية، كثفت موسكو جهودها الدبلوماسية لعقد المؤتمر، بهدف إيجاد مسار جديد يطول لجولات عديدة، ويشغل الرأي العام، دون أن يكون له أثر مباشر على تغيير قواعد الاشتباك في سوريا، على غرار اجتماعات أستانة، التي أتاحت لموسكو فرصة الإمساك بخيوط الأزمة السورية.
ولكن يبدو أن مساعيها لم تنجح، ويعتقد الكثير من المراقبين أن موسكو تثبت مرة أخرى أنها عاجزة عن ابتكار حلول سياسية واقعية معقولة، ترضي أطراف الأزمة السورية، من خلال طرح الأفكار نفسها بنسخ متعددة.
وتسعى موسكو، منذ فترة، إلى تكرار التكتيك نفسه، لكن هذه المرة تحت عنوان “عودة اللاجئين”، مستغلةً الانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية، وحالة اللامبالاة المزمنة عند الأوروبيين، وخروج جامعة الدول العربية من دائرة الفعل والتأثير.
وعلى النقيض، يعتقد شق من المحللين أن روسيا استطاعت بالفعل اللعب على وتر اللاجئين هذه المرة لجعل الكثير من السوريين الذين ضاقت بهم المخيمات إلى التفكير بجدية حتى يكونوا تحت مظلة النظام السوري بعد تركهم داعمو الإطاحة ببشار الأسد، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة و”ابنها المشاغب” تركيا.
ماذا تريد موسكو
أهداف روسية
• الاستفادة من الأموال التي ستجمعها من المؤتمر
• الالتفاف على قانون قيصر الأميركي
• إعطاء انطباع بأنها وصية على سوريا
تسبب النزاع السوري منذ اندلاعه في مارس 2011 بنزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، بينهم أكثر من خمسة ملايين و500 ألف لاجئ فروا بشكل أساسي إلى الدول المجاورة مسجلين لدى مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
وبعد أن حقّق النظام السوري بعض المكاسب في العامين الأخيرين خاصة بعد أن بدأت الولايات المتحدة في الانسحاب من شمال سوريا، اتضح للعيان أن بشار الأسد يحاول اللعب على بعض القضايا الأخرى، لإضفاء شرعيته واختار بالتنسيق مع حليفته روسيا أزمة اللاجئين السوريين.
وقد اتهم الأسد في افتتاح المؤتمر المنعقد بقصر الأمويين للمؤتمرات دولا غربية، وأخرى في المنطقة، باستغلال أوضاع اللاجئين السوريين “أبشع استغلال وتحويل قضيتهم الإنسانية إلى ورقة سياسية للمساومة”. وقال إن “موضوع اللاجئين في سوريا هو قضية مفتعلة، فتاريخ سوريا ولقرون مضت يخلو من أي حالة لجوء جماعية”.
وهذا الموقف يتسق مع ما تريد تحقيقه موسكو منذ فترة خاصة مع إضفاء المزيد من الضغوط على الأتراك الذين يحتلون شمال سوريا، مع تقويض أي دور أكبر لإيران، التي تعد حليفة مهمة بالنسبة لدمشق.
وثمة أهداف ترجوها روسيا من عقد مؤتمر اللاجئين السوريين وعلى رأسها الالتفاف على العملية السياسية حيث دأبت على الالتفاف على المسارات الأممية، التي تمنح المعارضة السورية نوعا من الندية مقابل نظام الأسد.
ويرى محللون أنه بعد فشل موسكو في عقد المؤتمر قبل عامين تكرر المحاولة اليوم لعقده دون أن تطرح أفكارا ومشاريع ورؤى جديدة، فهدفها هو حرف الأنظار عن العملية السياسية ولكن ذلك ليس كل شيء.
ويبدو أن الاستفادة من الأموال التي ستجمعها روسيا باسم اللاجئين السوريين، في تمويل نظام الأسد، الذي يبدو على وشك الإفلاس أبرز الأهداف، كما أنها ستعمل على الالتفاف على قانون قيصر، الذي يتضمن عقوبات أميركية على نظام الأسد ومعاونيه، عبر إدخال أو تهريب الأموال والمواد وجميع احتياجات النظام على أنها مساعدات للاجئين.
والأهم من ذلك هو إعطاء رسالة للعالم بأن سوريا تحت الوصاية الروسية، حيث حرصت موسكو على توجيه الدعوات للمؤتمر باسم وزارة الدفاع الروسية، وهذه مصادرة للقرار السوري الذي طالما تشدق الروس بشرعيته.
كما أن موسكو تريد حصر المساعدات المقدمة للاجئين السوريين عبر قنوات النظام فقط، بعد أن نجح الروس في إغلاق أحد المعبرين الإنسانيين في الشمال السوري، ليبقى معبرا واحدا.
ومنذ تدخلها العسكري في عام 2015 سعت روسيا إلى صياغة المشهد السوري بطريقة تمكنها من الإمساك بزمام الأمور واعتمدت على تفوقها الجوي، ودعم المليشيات الإيرانية على الأرض، واستخدام سياسة “الأرض المحروقة”، فاستطاعت قلب موازين القوى العسكرية لصالح النظام على حساب المعارضة.
وبعد تحقيق التفوق العسكري، وبينما اتبع الإيرانيون سياسة تهجير السكان من أرضهم، كما فعلت تركيا، حدثت أكبر عملية تغيير ديموغرافي في التاريخ الحديث، حيث دفعت تلك الدول بالملايين من سكان الغوطة وحمص باتجاه إدلب، التي بقيت من حصة المعارضة. وبالتزامن مع ذلك، أجرى الروس سلسلة من “المصالحات”، وهي عملية إخضاع لمن رفضوا التهجير القسري لسلطة نظام الأسد.
تنديد وغياب

ندد رئيس الحكومة السورية المؤقتة عبدالرحمن مصطفى المدعومة من تركيا، بعقد المؤتمر واعتبره بمثابة خدعة مدبرة وقال إنه “يهدف للحصول على أموال من المجتمع الدولي تحت مسمى تأمين عودة اللاجئين وإعادة الإعمار”، متهما روسيا بنهب تلك الأموال كتعويضات مقابل الدعم الذي قدّمته للنظام عبر قصف المدن السورية بشتى أنواع الأسلحة.
وترى منظمات حقوقية دولية أن توقّف المعارك في مناطق عدة في سوريا لا يعني أنها باتت مهيأة لعودة اللاجئين في ظل افتقارها للبنى التحتية والخدمية وخشيتها من الانتهاكات.
وتجنب مبعوث الرئيس الروسي زيارة تركيا، رغم أنها تستضيف حوالي أربعة ملايين لاجئ سوري، وهم أكثر من نصف اللاجئين السوريين، وترى المعارضة السورية عدم دعوة موسكو لكل من تركيا وأوروبا هو مؤشر على عدم الجدية، وعلى أن الروس لا يستهدفون حل مشكلة اللاجئين.
وفي خضم ذلك، لا تزال الولايات المتحدة منشغلة بانتخابات الرئاسة، التي أُجريت في وقت سابق هذا الشهر ولم تعلن نتيجتها رسميا بعد، حيث لم يتسن لها إبداء موقفها من المؤتمر، ولكن في كل الأحوال لا تريد أن تتدخل في هذه الملف، حتى تبقى على حبل التواصل مع موسكو.
لكن المبعوث الأميركي لشؤون سوريا، جيمس جيفري، الذي أعلنت واشنطن استقالته الاثنين الماضي مع اقتراب تقاعده بنهاية نوفمبر الجاري ، قال مؤخرا إن “الحل في سوريا لن يكون إلا بموجب القرار الأممي 2254، المتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية”.
وعقب إحاطة للمبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، أمام مجلس الأمن في 27 أكتوبر الماضي، أشارت البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة إلى وقوف النظام السوري عائقا أمام جهود المبعوث الأممي لعقد الجولة الرابعة من أعمال اللجنة الدستورية.
وطالبت البعثة نظام الأسد بالتوقف عن استهداف السوريين، الذين عادوا إلى مناطق سيطرته، وتهيئة الظروف التي تسمح للاجئين بعودة آمنة وطوعية وكريمة وفي الوقت المناسب إلى البلاد، في إشارة واضحة إلى صعوبة عودة اللاجئين من دون صياغة الحل النهائي.
وحاولت روسيا إقناع الأوروبيين بتمويل عملية إعادة الإعمار بحجة إعادة اللاجئين، لكن الموقف الأوروبي مثل موقف معظم دول العالم كان رافضا لبحث إعادة الإعمار قبل إنجاز التغيير السياسي وفق القرار 2254 وغيره.
تسعى موسكو، منذ فترة، إلى تكرار التكتيك نفسه، لكن هذه المرة تحت عنوان “عودة اللاجئين”، مستغلةً الانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية، وحالة اللامبالاة المزمنة عند الأوروبيين
لكن يبدو أنّ الروس مُصرون على الالتفاف على الإرادة الدولية، خصوصا بعد أن حققوا نجاحا جزئيا في اختزال العملية السياسية بالتركيز فقط على اللجنة الدستورية.
وتجنبت دول الجوار وخاصة العراق والأردن تقديم أي وعود بشأن المشاركة، وفي المقابل أظهر لبنان رغبة في الحضور من خلال تصريحات رئيسها ميشال عون، الذي أكد أن بلاده أبرز المتضررين من استمرار أزمة النازحين السوريين، وأنها لم تعد تحتمل هذا العبء لاسيما مع استفحال الأزمتين المالية والاقتصادية في الداخل اللبناني.
وتشكل إعادة النازحين السوريين إحدى أولويات الرئيس اللبناني وحزبه التيار الوطني الحر وبالفعل جرى على مدار السنوات الماضية تنظيم عودة المئات على دفعات بعد تنسيق مباشر مع دمشق، بيد أن هذا المسار تعثر.
في المقابل فإن الأردن لا يبدو متحمسا لإعادة اللاجئين طالما ليس هناك أي اتفاق دولي، ويقول متابعون إنّ عمان ورغم حديث مسؤوليها المتكرر عن عبء اللجوء بيد أنها كانت في جانب كبير مستفيدة من الوضع على مستوى الدعم الدولي المادي في ظل الأزمة المالية التي تعانيها.
المصدر: صحيفة العرب