بالميرا مونيتور:
لايزال شبح النزوح والتهجير يلاحق أهالي مدينة تدمر من مكان إلى مكان، حتى إلى البراري والصحاري وأينما اتّجهوا يحملون معهم معاناتهم ومآسيهم، دون أن يلقوا أي اهتمام من جميع الفئات المتصارعة على الأرض السورية اليوم، ودول الجوار.
بعد أن نزحت نسبة 85 % من سكان المدينة، منذ بداية شهر آب من عام 2015، بعد أن سيطر تنظيم الدولة “داعش” على المدينة للمرة الأولى، بدأت موجات النزوح الجماعي للأهالي، تحت وطأة القصف الروسي والسوري من جهة، وعنجهية وظلم أمراء وعناصر التنظيم من جهة أخرى، فنزح سكان المدينة لجهات عدة في الداخل السوري (النسبة الكبر للمناطق المحررة في الشمال السوري)، من ضمنها مناطق ومدن تخضع لسيطرة التنظيم كالرقة وريفها وريف ديرالزور شرق سورية، بينما اختارت نسبة لا تتجاوز 10 % غالبيتهم من الموظفين الحكوميين، التوجه إلى مناطق سيطرة النظام السوري في حمص ودمشق، سعياً وراء وظائفهم ومصادر عيشهم، بعد أن هددتهم سلطات النظام بالفصل من العمل في حال عدم الالتزام بالدوام هناك.
وفي الفترة الأولى للنزوح، شكلت نسبة النازحين إلى مناطق سيطرة التنظيم، وخصوصاً مدينة الرقة النسبة الأكبر، نظراً لتوفر ظروف معيشية ميسّرة نوعاً ما، إضافة إلى بحث الناس عن الأمان المؤقت بعد الجحيم الذي عاشوا فيه، بسبب طائرات الأسد وروسيا أثناء وجودهم في مدينتهم.
وبرغم كل ما كانت تتعرض له المدينة من القصف ومئات الغارات الجوية اليومية إضافة للصواريخ والبراميل المتفجرة من جهة، وظلم وقهر عناصر التنظيم من جهة أخرى، أبت عشرات العائلات إلا أن تبقى في منازلها برغم كل الظروف المأساوية، وبعد أن نفذ صبرهم ولم يعد بالإمكان البقاء بعد انعدام كافة سبل الحياة في المدينة، نزح العشرات منهم إلى “مخيم الركبان” على الحدود السورية – الأردنية هرباً من القصف والقهر، وبحثاً عن الاستقرار والراحة المؤقتة، إلا أنهم تفاجئوا بمعاناة جديدة هناك، الجوع والفقر من جهة وقلة الخدمات الصحية والعلاجية من جهة أخرى، لكنهم وبرغم كل ذلك، بقوا في المخيم كأفضل حل موجود لهم بعيداً عن النظام والتنظيم سواء.
وبعد أن أُعلن مؤخراُ عن الحملة العسكرية لتحرير مدينة الرقة من قبضة تنظيم الدولة، بدأ نازحي تدمر هناك بالتفكير بشبح القصف والنزوح إلى أماكن أخرى، بعد أن حاول العديد منهم الاستقرار والعمل هناك تماشياً مع الظروف المعيشية القاسية، لكن بعد أن بدأ التحالف الدولي بتكثيف ضرباته الجوية على محيط مدينة الرقة، كان لأهل تدمر نصيب كبير من إحدى تلك الضربات، استهدفت طائرات التحالف، مدرسة البادية الواقعة بالقرب من بلدة “المنصورة” في ريف الرقة، سقط على إثر ذلك الاستهداف عائلات كاملة من المدينة بين قتيل ومصاب، بينما لايزال عدد منهم تحت أنقاض ذلك القصف.
مؤخراً، انتشرت شائعة انهيار سد الفرات بالقرب من الرقة، والذي يعرف بغزارة مياهه وإمكانية إغراق مدينتي الرقة وديرالزور في حال انهياره، بدأ أهالي تدمر بالنزوح إلى خارج المدينتين، حيث لا مفر من ذلك الجحيم في حال حصل، فخلال يومين من بث الشائعة، هربت عشرات العائلات إلى ريف الرقة وصولاً إلى مناطق سيطرة الوحدات الكردية في الحسكة وريفها، للعبور بإتجاه الشمال السوري، لكن هذا الأمر لم يكن بالسهولة التي كانت تتوقعها الناس، فألغام التنظيم و مافيا المهربين كانت تعترضهم وترعبهم من جهة، واعتقالات عناصر الوحدات من جهة أخرى، لكن ما باليد حيلة تجاه الرحيل، فقرروا وساروا إلى المجهول.
حيث تعتقل الوحدات الكردية عشرات الشباب في المدارس والمخيمات التابعة لها، لاسيما مخيم “مبروكة” بريف مدينة الحسكة، بذريعة التحقيق للتأكد من عدم انتمائهم أو تعاونهم مع التنظيم، وليس أمام النازحين سوى الانصياع لقوة السلاح وأمراء الحرب أينما توجهوا.
يذكر أن مدينة تدمر، تخضع لسيطرة النظام السوري منذ بداية شهر آذار المنصرم، ولا يوجد فيها أي سكان، كما أن نسبة لا تقل عن 60 % من منازل وأحياء المدينة مدمرة بشكل كامل، بعد الحملات العسكرية التي شهدتها خلال الثلاث أعوام السابقة.