خمس سنوات بين تقديم قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا للكونغرس الأمريكي وبين إقراره، حسابات السياسة أدت لأن يتوقف احتساب أعداد الضحايا في سوريا رسمياً كما سبق وأعلنت الأمم المتحدة نهاية العام 2013، حتى كاد النظام يعتقد أنه سينجو بفعلته منتشياً باستمرار إغلاق مجلس الأمن بالفيتو الروسي الصيني المزدوج، وبتقدم عسكري على أشلاء شعبنا السوري وحطام مدننا، وعلى أمل أن العالم في النهاية سيضطر للتفاوض مع من اختطف السوريين، ويهدد بقتل من تبقى منهم رهن أسره تحت التعذيب أو فرّ من أسره لكنه في مرمى براميله في المناطق المحررة، حتى يقبلوا به من جديد مع أو بدون عملية سياسية يريدها عملية تجميلية تعيد تأهيله في استخفاف كامل بعدالة الأرض ونكران تام لعدالة السماء.
يأتي قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا ليقول للجميع أن من زرع الدمار لن يحصد إلا العزل والحصار
وفي هذا الوقت الذي أوصل فيه النظام كل فرص وسيناريوهات الحل إلى طريق مسدود وأفرغها من أي مضمون أو أمل بتحقيق أي خرق يعيد الأمل لشعبنا السوري وآخرها تعطيله عمل اللجنة الدستورية، وفي وقت بدء البعض هنا وهناك يلمح علنا أو يبادر سراً بالاتصال به، ويتجاوب مع محاولة الترويج أنه بلغ مرحلة التعافي وإعادة الأعمار، ويمني النفس ويقطع الوعود للداخل والخارج بأن القادم سيكون أفضل بالنسبة له، وأنه قد حان الوقت لقطف ثمار الصمود أمام المؤامرة الكونية.
في هذا الوقت، يأتي قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا ليقول للجميع أن من زرع الدمار لن يحصد إلا العزل والحصار وأن لا إعادة إعمار ولا أي تعامل مع النظام قبل الحل السياسي وفق القرار 2245 ومحاسبة المسؤولين عن جرائم القتل تحت التعذيب التي لا تفارق صور ضحاياها كل ضمير حي في جميع أنحاء المعمورة!
إن عقلية التشبث والمماطلة والإنكار والانفصال عن الواقع التي لا يملك النظام سواها هي التي خاض بها سنوات حربه العشرة على شعبنا، وهو ينكر وجود الضحايا من عشرات الآلاف المغيبين في سجونه أصلاً، وينكر صورهم وأن هناك من انشق وحمل معه هذه الصور، كما ينكر البراميل والأسلحة الكيمائية، بل وينكر الثورة من أساسها وأن القضية ليست سوى صموده على كرسي السلطة والتصدي لكل من يقترب منه من أطراف المؤامرة الكونية.
فها هو بدأ يهيئ شعبنا العالق في مناطق سيطرته بأن القادم أسوأ وأن المؤامرة الخارجية تستهدف لقمة عيش السوريين، وأنه سيقاوم ويكافح الفساد وسينتصر في الاقتصاد كما يظن أنه انتصر في الحرب، وهو ما يعني للسوريين أن كوارث الحرب التي جرّها عليهم لن تقل عن كوارث الاقتصاد الذي لم يبق منه شيء إلا إذا كان سيسمي ما تبقى من مهربين وفاسدين حوله ومن عمليات تبييض أموال واحتكارات، اقتصاداً، كما يسمي ما تبقى من ميليشيات وشبيحة ولصوص بالجيش المنتصر.
سينكر أيضاً، و هو الذي لم يعد أمامه منذ سنوات سوى المضي في طريق الإنكار واللاعودة الذي اختاره من البداية، ينكر أن اليوم ليس كالأمس وأن الموارد القليلة التي يتيحها اقتصاد المحسوبيات والاحتكارات والفساد الممنهج قد استنزفتها سنوات حربه وسياساته الفاشلة وما تبقى منها يذهب لجيوب حلقات الفساد التي أحاط نفسه بها وتماهى معها.
وهو ينكر أيضاً أنه المتسبب في هذه العقوبات الجديدة وفي غيرها، وأن جرائمه المستمرة بحق السوريين هي السبب، وهو بالتأكيد سينكر أن إيقاف هذه المأساة ورفع العقوبات التي ستطبق تدريجياً يحتاج منه أن يمضي قدماً في الحل السياسي الحقيقي ويفتح الباب لتطبيق القرارات الدولية وهو ما يعني بالنسبة له أن تطوى صفحته ويحاسب مجرموه عما اقترفوه بحق الشعب السوري.
لكن القاصي والداني يعرفون جيداً أن هذا القانون يعني فيما يعني، أن أي محاولة لإعادة تأهيل هذا النظام أصبحت من الماضي، وأن هذه المعركة القادمة والتي بدأت بالفعل ستكون على الموارد القليلة المتبقية والممكنة فستبدأ عمليات تهريب الأموال ومصادرتها وانفكاك بعض حلقات الفساد القريبة منه، وتجفيف أي فرص وهوامش اقتصادية لتلك الأبعد، ولن يفلت هذه المرة عبر تغيير الواجهات التي يستخدمها للتهرب فقوائم المعاقبين سيتم تحديثها باستمرار بحيث تشمل كل يد تمد له أو يد يمدها لأحد.
سيقول اصبروا واختبروا وجوهاً متجددة للمعاناة معي لكننا في النهاية سننتصر على المؤامرة، وإنه أعد العدة ووضع الخطط الاقتصادية التي تمكنه من الصمود