في قصر الحير الشرقي علماء سويسريون اكتشفوا نمط الحياة في العصر الأموي

تعد هذه الأطلال في قلب البادية السورية نقطة توقف للسياح المتجهين إلى دير الزور للوقوف على معالم ماض كان مزدهرا swissinfo.ch

عملت البعثة الأثرية السويسرية بقيادة دونيس جانكان في قصر الحير الشرقي بسوريا ضمن بعثة مشتركة سورية سويسرية. وركزت في ابحاثها على دراسة طريقة العيش في الحقبة التي رافقت تشييد قصر الحير الشرقي من قبل الخليفة الأموي هشام ابن عبد الملك (حوالي 728 ميلادية).

شرع فريق الآثار السويسري بقيادة دونيس جانكان في التنقيب في الموقع ضمن فريق مشترك سوري سويسري منذ عام 2002. وقاموا بدراسة شاملة لطريقة العيش التي كانت سائدة في فترة تشييد القصر من قبل الخليفة الأموي الملك هشام عبد الملك في النصف الأول من القرن الثامن ميلادي.

تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.

ويقول دونيس جانكان “إن الخلفاء الأمويين ونخبة العصر آنذاك قامت بتشييد أكثر من 30 قصرا ودارا فخمة في بادية بلاد الشام مزودة بملحقات اقتصادية وزراعية وتجارية وصناعية، وفي مناطق شبه صحراوية تمتد ما بين الأردن وسوريا” (حاليا). ويهدف عمل البعثة السورية السويسرية في قصر الحير الشرقي إلى معرفة الأسباب التي دفعت القادة الأمويين آنذاك لتشييد هذه القصور في مناطق شبه صحراوية.

ومع أن البعثة توصف بالسويسرية – السورية، إلا أن مكوناتها العلمية، بالإضافة الى ما بين 6 و 12 من الخبراء السويسريين وبعض الخبراء السوريين من متحف تدمر وما بين عشرين إلى ثلاثين عاملا محليا، تضم خبراء من جنسيات فرنسية وأسترالية وبريطانية وفقا للإحتياجات التخصصية.

اهتمام غير مسبوق بحياة السكان

جرت العادة عندما يتعلق الحديث بالتنقيب عن الآثار في الحقب الإسلامية أن يتركز الإهتمام بالدرجة الأولى على الآثار العمرانية. ومع أن البعثة السويسرية تولت في بداية الأمر مهمة تحديد تصميم لقصر الحير الشرقي بعد كل ما عُرف عنه من خلال تنقيب فريق أمريكي في الستينات من القرن الماضي، فإنها “سرعان ما ابتعدت عن ذلك لتهتم بدراسة المنشآت الواقعة في ضواحي القصر والتي بإمكانها أن تقدم لنا معلومات أوفر عن الجوانب التجارية والعملية وعن الطريقة التي كان يُستغل بها هذا الموقع وهذا القصر خلال النصف الأول من القرن الثامن والذي استمر حتى الى الفترة الأولى من العصر العباسي”، مثلما يشرح رئيسها دونيس جانكان.

ومنذ عام 2002، شملت أعمال التنقيب خمسة مبان محيطة بالقصر، إضافة الى الكشف عن معظم القنوات التي كانت تستخدم لجلب المياه للقصر من منطقة تبعد عنه بحوالي 30 كيلومترا. واستفاد خبراء الحفريات في هذه الأعمال من جميع أصناف البقايا العضوية التي تم العثور عليها للتعرف على طبيعة الحيوانات والنباتات التي كانت متواجدة في تلك الحقبة ومحاولة اكتشاف كيفية استخدامها من قبل إنسان ذلك الوقت.

ويؤكد السيد دونيس جانكان أن هذه الحفريات والأبحاث بـ “التعرف بطريقة أحسن على نوعية الزراعة التي كانت سائدة بالمنطقة في القرنين الثامن والتاسع، وما كان يُستورد من مناطق أخرى مثل غرب سوريا أو منطقة الفرات، وعلى طريقة استخدام الحيوان ونوعية ما كان يُستهلك منها وما إذا كان يُربّى في المنطقة أم لا؟ وما إذا كان يُربّى للحصول على اللحوم أم للحصول على الألبان؟”.

وهذه هي المرة الأولى التي تم فيها التركيز على هذه الجوانب بدل الإهتمام فقط بالعمران والآثار العمرانية الإسلامية. ويلفت رئيس البعثة السويسرية بقصر الحير الشرقي إلى أن “هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها في مشروع أثري لدراسة حقبة أولية من حقب الإسلام، إدخال التقنيات الجانبية لعلم الآثار. فقد جرت العادة عموما أن يُعنى بدراسة الحقب الإسلامية مختصّون في تاريخ الفن وخبراء في تاريخ الفن العمراني وهم عادة ما يهتمون بالدرجة الأولى بالمباني بدون الإهتمام بالجوانب التي تقدم لنا معلومات عن كيفية استغلال الإنسان لهذه المباني وكيف كانت الحياة فيها”.

وينتهي دونيس جانكان إلى أن “مشروع التنقيب في قصر الحير الشرقي يقدم أسلوبا جديدا حيث كنا أول من أدخل أساليب القياس “أركيو – ميتري” Archéométrie في أعمال تنقيب حول موقع هام هو قصر أحد الخلفاء الأمويين، وقد استعنا بخبير من جامعة يورك York، مختص في التنقيب الجيو مغناطيسي للكشف عن المباني المطمورة والتي لم يشملها التنقيب. ومن خلال إقحام كل هذه التقنيات التي تدور في فلك علم الآثار حاولنا استخلاص أفضل فكرة ممكنة عن الموقع”.

تمويل زهيد

تم تمويل البعثة الأثرية السورية السويسرية عبر مصدرين: الإدارة العامة للآثار والمتاحف في سوريا من جهة و”مؤسسة سويسرا – ليختنشتاين لتمويل الأبحاث الأثرية في الخارج” من جهة أخرى. وهي مؤسسة خاصة يترأسها شارل بوني، عالم الآثار السويسري الشهير.

وقد ساندت هذه المؤسسة مشروع الفريق السويسري في قصر الحير الشرقي منذ انطلاقته في عام 2002 بمبلغ قار يتراوح ما بين 50 و 60 الف فرنك سويسري سنويا. ومع أن مقدار التمويل يبدو زهيدا إلا أن دونيس جانكان يقول إنه “سعيد بالحصول على مبلغ زهيد ولكن بشكل متواصل يسمح بالإستمرار في التنقيب بدل الحصول على تمويل هام لفترة سنتين أو ثلاثة ثم المعاناة في الحصول على تمويل فيما بعد للإستمرار في التنقيب”.

“من البعثات القليلة المهتمة بالفترة الإسلامية”

إذا كان قصر الحير الشرقي قد خضع لتنقيب في الستينات من القرن الماضي من قبل فريق أمريكي ولعدة مرات من قبل فرق سورية، فإن تولي الفريق السويسري عملية التنقيب منذ عام 2002 ضمن البعثة المشتركة السورية السويسرية “سمح بتدقيق الأبحاث”،

أما الميزة الحقيقية لهذه البعثة فتتمثل بالدرجة الأولى في اهتمامها بالتنقيب المنهجي في حقبة إسلامية، ويقول رئيسها دونيس جانكان: “نحن من بين البعثات القليلة التي اختارت التنقيب في حقب بداية الإسلام. وقد صادف أن اهتمت إدارة الآثار والمتاحف (في سوريا) التي كانت في العام 2002 تحت إشراف أحد المدراء المختصين في الحقب الإسلامية، بتشجيع البعثات على الإهتمام بهذه الحقب الإسلامية”.

تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.

 

المصدر: أرشيف البعثة السويسرية في تدمر

تعليق