بعد عقد ونيّف من الزمن بادرت وكالات سفر أوروبية الى الإعلان عن تنظيم رحلات سفر سياحية إلى سوريا. موقع “دويتشه فيله” الألماني نقل عن موقع شركة soviet tours السياحية الألمانية عزمها تنظيم رحلات سياحية إلى دمشق، اعتباراً من العام المقبل 2022، وكذلك شركة Rocky Road Travel الألمانية السياحية التي قررت البدء بتنظيم الرحلات اعتباراً من هذا العام، على أن يكون هناك نوعان من الرحلات، الأول ليوم واحد، والآخر لخمسة عشر يوماً.
إعلان الشركة تضمن تفاصيل تتعلق بإمكان تغيير مسار الرحلة في اللحظة الأخيرة بحسب التطورات على الأرض، بعدما أوضحت أنّ هذا الملف يخضع لمراقبة الشركة للوضع الأمني برفقة شركائها في دمشق. وفي الرحلة داخل سوريا، يصحب الزائرين دليل سياحي، قبل أن تختتم الرحلة في لبنان أو الأردن.
وقال مؤسس الشركة شين حوران، لموقع “DW”، إنّ “من بين الجولات التي ستنظمها الشركة في سوريا للعام المقبل، تم حجز واحدة بالفعل وتمت إضافة المزيد بسبب الطلب. الناس فضوليون، وهم مستعدون بشكل واضح لرؤية البلد بأنفسهم، بغض النظر عن العناوين الرئيسة والخطابات”.
إعلان آخر يقول: “لقد عانت سوريا سنوات قليلة مضطربة حيث دمرت الحرب الأهلية معظم البلاد، لكنها الآن تعود ببطء إلى مستوى من الحياة الطبيعية لم نشهده منذ ما يقرب من عقد من الزمان”.
وزارة الخارجية الألمانية قالت إنّ “هناك تحذيراً من السفر إلى سوريا، بالإضافة إلى مطلب خروج الألمان من البلاد، والسفارة الألمانية في دمشق مغلقة، لذلك من المستحيل تقديم المساعدة القنصلية للمواطنين الألمان في سوريا، وبناء على ذلك، لا يمكننا فهم سبب عرض السفر (الترفيهي) إلى سوريا”.
قد يبدو الأمر غريباً، وقد يسأل سائل، أي نوع من السياحة إلى بلد عاش ويعيش واحدةً من أقسى حروب المنطقة؟ ولكن حقيقة فإنّ دولاً أخرى كروسيا والصين سبقت شركات ألمانيا، فيما عرف حينها بقضية السياحة القاتمة.

تعليقات سورية ساخرة انهالت بالجملة على عرض السياحة الخارجية إلى سوريا، تقول إحدى المعلقات: “الجنون فنون فعلاً!”، فيما يقول آخر: “ليأتوا هم إلينا ونرحل نحن إلى بلادهم” الدكتور خير الله عفوف قال لـ”النهار العربي”: “وللناس في ما يعبدون مذاهب، هل من عاقل يسوح إلينا، ونحن أنفسنا نبحث عن أي طريق للخروج”.
السياحة القاتمة
تحدثت صحيفة “الغارديان” البريطانية في مرحلة سابقة من الحرب السورية عن نشاط نوع جديد من السياحة، سمّته “السياحة القاتمة”، وهي السفر إلى المناطق المدمرة. وقد شهدت هذه السياحة ازدهاراً، بحسب تحقيق الصحيفة،وخصوصاً إلى حمص وحلب المدمّرتين إلى حد كبير.
شركة Young Pioneer Tours الصينية تصدرت الواجهة في الإعلان عن رحلات السفر إلى سوريا حينها. يكون الوصول أولاً عبر مطار بيروت، ومن ثم إلى دمشق براً، حيث تنطلق الرحلة بزيارة الأماكن الأثرية في العاصمة، ومن ثم إلى تدمر، فقلعة الحصن في حمص، ثم المدينة نفسها، قبل التوجه إلى حلب.الموقع الصيني قال في إعلان أولى رحلاته وقتذاك: “نشق طريقنا إلى حلب القديمة التي مزقتها الحرب، نتوقف لشرب القهوة في المقاهي الساحرة، وزيارة القرى المدمرة”. والتكلفة نحو 1800 دولار أميركي لرحلة تستمر ثمانية أيام من دون احتساب ثمن التأشيرة وتذكرة الطيران.

لذا يُطرح سؤال حول إعلانات سياحية كهذه: هل من السليم، بعد كل ما مرت به تلك البلدان من آلام وما قدمته من دماء، تحويل مناطق الدمار إلى معالم سياحية بقصد الاستمتاع؟
زيارة الجار
“حقيقةً لا يمكن الحديث أننا توقفنا عن زيارة دمشق بصورة منقطعة وطويلة، ولكننا أخيراً لم نعد نزورها كما من قبل، لأن أزمة أسعار الصرف في لبنان، وكذلك في سوريا، فاقمت المشاكل في البلدين. دمشق عموماً كانت متنفساً مناسباً لناحية أسعارها عموماً”، يقول إياد خليل، اللبناني الذي دأب على زيارة دمشق حتى وقت قريب.
وعلى خلافه تقول منى مهدي إنّها اعتادت زيارة حمص هي وأهلها للتبضع والشراء والتسوق قبل الحرب: “منذ بدأت الحرب لم نزر حمص، كل شيء كان فيها مخيفاً ومقلقاً، فجأة أصبحت المدينة مدمرةً بالكامل، لا أسواق ولا حياة فيها، خسارة كبيرة، كانت حمص مدينة أكثر من جميلة فعلاً”.
ورغم ذلك تلاحظ بشكل واضح السيارات التي تحمل لوحات لبنانية في شوارع سوريا. حقيقة يمكن لحظها بسهولة، فهي ليست بالقليلة، ورغم ذلك لا يمكن القول إنّ هذا الأمر يعتبر نوعاً من السياحة، فبالتأكيد لن يسوح اللبناني في سوريا بعد كل ما مرّ بها من أحداث، وبعد كل ما تعانيه، هي ولبنان، من أزمات اقتصادية ومعيشية.
في الداخل
“هي حسبة اقتصادية بسيطة، لديّ سيارة صغيرة اشتريتها بداية الحرب، طبعاً لو لم أكن أملكها منذ تلك الأيام، لما تمكنت من شرائها في ظل هذا الغلاء اليوم. المهم، أنا في دمشق، ولنفرض أنني أردت الذهاب في جولة سياحية مع أسرتي ليوم واحد إلى اللاذقية، سأحتاج ما يعادل غالوني بنزين للذهاب، ومثلهما للعودة، وسيكون المجموع 240 ألف ليرة سورية، وأنا راتبي كلّه في شركتي 150 ألف ليرة سورية”، يقول جورج خزلي الموظف في شركة تقنية خاصة لـ”النهار العربي”، شارحاً استحالة تفكير السوري بأن يقوم بالسياحة داخل بلده.
أما رنا حسيب فتقول إنّها لم تجد شاليهاً على البحر بأقل من مئة ألف ليرة قبل نهاية الصيف الفائت، أي قبل نحو شهرين، “فعن أي سياحة نتحدث؟ سياحة السوري الوحيدة اليوم هي في باصات النقل الداخلي”.

يبقى أنّ للسوريين هموماً معيشيةً تحول دون تمكنهم من تنشيط السياحة في بلدهم الذي صار كيفما يمّم السوري وجهه فيه، يرى “تراثاً” من نوع آخر، فالدمار طغى على كل ما سواه في الداخل.
المصدر: النهار العربي