عشرات المبادرات إن لم يكن المئات، عرضت خلال 5 أعوام لحل الأزمة السورية التي خلفت آلاف القتلى والجرحى ودمرت المنازل وهجرت الملايين سواء في الداخل أو الخارج، والسبب الخلاف دائماً على مصير بشار الأسد، ليبقى الحل السياسي معطلاً والعسكري فعالاً.
إشكاليات قائمة ومستمرة
الباحث معن طلاع وفي ورقة بحثية له منشورة في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، وجد أنه يفرض الحديث حول أطروحات الحل السياسي في سوريا توضيح بعض الحقائق التي التصقت بجسد الملف السوري، لأنها ستساعد في تحديد إجابة صريحة وواضحة عن تساؤل مفاده هل البيئة المحلية والإقليمية والدولية مفضية لحل سياسي عبر التفاوض؟
وعرض الباحث، جملة إيضاحات “لا يمكن التهرب منه، وينبغي أن تبقى حاضرة في الوعي السياسي نظراً لمدلولات هذه الإيضاحات وتأثيراتها على الحلول التفاوضية”، ملخصاً إياها في 3 نقاط:
أولها المعادلة الأمنية في سوريا التي تتسم بتداخل كبير بين مفهومي الأمن الإقليمي والأمن الدولي، وتتجاوز أهميتها الاستراتيجية حدود المنطقة العربية.
وثاني هذه التوضيحات تحديد طبيعة الصراع، حيث يمكن القول إن أشكال الصراع في سوريا بشكل عام تقع ضمن ثلاث دوائر هي: صراع إقليمي ودولي، وصراع نظام وثورة شعبية، وصراع ضد الإرهاب، ويندفع الصراع فيها باستمرارية متّقدة للأسباب التالية:
تعارض غايات ومصالح الفاعلين الدوليين والإقليميين الذي نجم عنه عدم ثبات واستقرار في استراتيجية المعالجة (غير الفعالة أساساً) نظراً للتسارع في مستوى الأحداث ودخول المتغيرات الطارئة مما يؤكد عدم نضوج مناخ التقارب المرتهن بظروف ومعطيات إقليمية ودولية.
تجذّر وتعقّد الخلافات والصراع بين النظام والمعارضة، وكثرة المبررات المغذّية للمستند السياسي لكل منهما.
فشل جميع المحاولات السياسية في تقليل تداعيات الملف الإنساني.
وثالثها يتعلق بـ “قصور المبادرات السياسية المطروحة الملبسة لبوس الواقعية وتستهدف هوامش المشهد الثوري فحسب، الذي طغى بحكم تقاعس المجتمع الدولي من جهة، ومن جهة أخرى بطش نظامٍ مزّق النسيج المجتمعي وغذّى الاتجاهات الطائفية والمذهبية والعرقية. كما تتجاهل هذه المبادرات فكر النظام ورؤيته التي لا تقبل أي حل سياسي ليس على مقاس طموحاته الاستبدادية وفق النمط الستاليني، فالنظام يدرك أن أي إصلاح ولو كان جزئياً هو إنهاء له ولكل آلياته وهذا ما يجعله يعتمد مبدأ المراوغة والالتفاف والتغيير الصوري فقط”، وفق ورقة الباحث.
كلمة السر
الصحفي عبدالله طعمة وفي تعليقه على الموضوع قال “من خلال متابعتي لأزمات وحروب في مناطق مختلفة في العالم، خصوصا في الخمسين سنة الأخيرة، كانت كلمة السر هي الولايات المتحدة الأمريكية، في حال قرر الأمريكيون إنهاء ما يجري في سوريا سينهونه بطريقتهم، لكن الإدارة الأمريكية في عهد أوباما ولضعفها لم تستطع حسم الأمور”.
وتابع طعمة “السبب الأخر هو وجود طرف آخر يعتبر سوريا مكسباً استراتيجياً له في المنطقة روسيا التي ترى في سوريا الورقة الأخيرة في يدها لوضع قدم بالشرق الأوسط، وقررت دعم النظام حتى الرمق الأخير، لذلك فإن الضعف الأمريكي وعدم رغبته في حسم الأمور وإصرار روسيا على دعم النظام ورفض المعارضة لمبدأ بقاء بشار الاسد حتى لمرحلة انتقالية هي أهم أسباب فشل محادثات السلام”.
بدوه الخبير العسكري محمود الإبراهيم، وجد أن سبب فشل المفاوضات السلام حول سوريا، هو أنّ “مفاوضات اللاعبين الأمميين كانت تتطرق لكل شيء عدا سوريا”، وهذا لأن التوازنات الجيوسياسية “محسومة من ناحية توزيع مناطق النفوذ، والعمق الاستراتيجي لكل الأطراف الدولية وممثليهم على الأرض من الكتائب والفرق العسكرية”.
وتابع الإبراهيم “أما ما كان يحدث فهو الصراع على ما بعد بعد سوريا من أوكرانيا، وصولاً إلى مجموعات أمريكا اللاتينية والكاريبي، لتكون سوريا هي المركتز التي سمحت قوى التأثير العميق العالمي لها أن تكون بؤرة تنفيس الصراعات الكبرى وكسر العظم، في مشهد لم يعرفه العالم منذ أن انتهى تنازل ستالين عن بولندا لصالح هتلر بحرب عالمية أكلت الأخضر واليابس”.
وبحسب الخبير، “للعلم والمسؤولية التاريخية أقول، الفرق بين النظام والمعارضة، هو أنّ الأول أدرك اللعبة فكان جزء مهماً منها، بحيث حمى مصالحه بمعادلة لا يمكن تجاوزها بشكل أو أخر، أما المعارضة فقد قبلت على نفسها أن تكون عصا بيد القوى الكبرى لتحريك الركود في العلاقات الدولية الملتهبة، فكانت السبب الرئيس في تعاظم حجم الخسارات بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى أليم”.
الفشل من وجهة نظر اقتصادية
الباحث الاقتصادي يونس الكريم قال إن الكثير من رجالات السياسية حاولوا وضع تصور لنهاية الحرب في سوريا، وإن كانت تصوراتهم مختلفة حسب مراحل الحرب بين النظام والمعارضة، إلا أن “القاسم المشترك بينهم هو الفشل”.. لعدة أسباب، وأبرزها “عدم وجود تصور واضح لما بعد عملية السلام، لوجود تخوف من الجهة التي سوف تستلم الحكم بعد النظام، لاسيما الخوف على اتفاقية الفصل مع إسرائيل بما يخص منطقة الجولان، ولواء اسكندرون والمياه مع تركيا، والأردن بما يخص ووادي اليرموك، ولبنان ومزارع شبعا وسفوح القلمون وتجارة المخدرات”.
ومن الأسباب وفق الباحث “صراع الانظمة الاقتصادية العالمية فأمريكا تريد إطالة الحرب لأنها توفر سوقاً لبيع السلاح، وكذلك أوروبا ترغب بإطالة هذه الحرب ومن ثم المساهمة في إعادة إعمار سوريا بعد انتهائها”.
والسبب الأكبر للفشل وفق الباحث “عدم وجود تصور واضح للمعارضة السورية لما بعد النظام، كون الجهات العالمية استطاعت توظيف المعارضة لمصالحها الشخصية بعيداً عن مصالح السوريين وقضيتهم”.