ظروف معيشية قاسية في “مخيم الركبان” على الحدود الأردنية السورية

“آلاف النازحين يعانون من صعوبة الوصول إلى المياه الصالحة للشرب والرعاية الصحّية”

مازال آلاف النازحين السوريين العالقين في “مخيم الركبان” والواقع على الحدود الأردنية السورية يعانون ظروفاً معيشية قاسية وصعبة جداً، وذلك نتيجة نقص المواد الغذائية والطبّية بشكل حاد، ووفقاً لمصادرنا في المخيم، فإن ندرة المياه واستخدام مياه ملوثة للشرب والاستحمام، ساهم في انتشار عدة أمراض بين النازحين، وخصوصاً مع غياب شبه تام للرعاية الطبية المقدمة من قبل الأمم المتحدة للمخيم.

يقع مخيم الركبان بالقرب من نقطة التقاء الحدود الأردنية السورية ويبعد إلى الغرب من معبر التنف الحدودي (والذي يربط ما بين سوريا والعراق) مسافة (25)كم تقريباً، وبدأت نشأة هذا المخيم نتيجة تجمع العديد من اللاجئين السوريين الفارين من مناطق النزاع المسلح في محافظة حمص ومنطقة البادية السورية ومناطق الشمال السوري، وذلك بعدما منعتهم السلطات الأردنية من الدخول إلى أراضيها في شهر آذار/مارس2015، تحت ذريعة أن أعداد اللاجئين السوريين قد تجاوزت طاقة استيعاب الأردن.

وتتواجد أكثر من نصف خيام النازحين في المنطقة “المنزوعة السلاح”، وماتبقى منها يمتد داخل الأراضي السورية، وتبلغ أعداد النازيحن في هذا المخيم العشوائي والواقع في منطقة صحراوية مايزيد عن (7) أللف نازح وفق مصادر داخل المخيم، في حين لا توجد حتى الآن أية إحصاءات رسمية حول أعداد النازحين الباقين في مخيم الركبان من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين

شح المياه في مخيم الركبان :

لم تقتصر معاناة النازحين السوريين العالقين في مخيم الركبان على الارتفاع الكبير في درجات الحرارة خلال أشهر الصيف فحسب، بل وصلت حد معاناتهم من شح كبير في المياه الصالحة للشرب والاستحمام أيضاً، وذلك بسبب تحكم الجانب الأردني بكمية المياه التي يتم ضخها من الداخل الأردني بالقرب من الساتر الحدودي.

وفي هذا الصدد تحدث ياسر الحمد وهو أحد اللاجئين الذين نزحوا إلى المخيم برفقة عائلته منذ حوالي العامين ونصف، قائلاً:

“نزحنا من مدينة حمص بسبب الظروف الأمنية السيئة هناك، ولم ننجح في الدخول إلى الأردن نتيجة القيود المفروضة من قبل السلطات الأردنية ومنعها دخول أي لاجئ. ومنذ وصولنا إلى مخيم الركبان ومصاعب عدة تواجهنا كتأمين الماء الصالح للشرب والغذاء، فلكي نحصل على عدة ليترات من المياه يجب علينا السير مسافة تزيد على (5) كم، وهنالك بعض الأشخاص الذين يقطعون مسافة أكثر من (15)كم في سبيل ذلك، فلا يوجد هنا مصدر دائم للمياه، وخلال الشهرين الماضيين لم يدخل إلى المخيم أي صهاريج من قبل الجانب الأردني، ولم يتم ضخ الماء عبر الأنابيب التي تم تمديدها سابقا، لذا فإن بعض التجار كانوا يقومون ببيع الماء لللاجئين بأسعار مرتفعة تفوق حاجتهم.”

وتابع قائلاً:

“المياه التي يقوم النازحون باستخدامها وتصفيتها هي مياه غير صالحة للشرب تماماً، وهو ماتسبب في انتشار العديد من الأمراض بينهم، كالفشل الكلوي وأمراض الجهاز الهضمي، إضافة إلى ظهور العشرات من حالات الإقياء ومرض اليرقان لدى الأطفال، كما أنه وفي الآونة الأخيرة انتشرت العديد من الأمراض الجلدية، كالتحسس الجلدي نتيجة قلة الاستحمام والارتفاع الكبير في درجات الحرارة،

قلة الغذاء داخل مخيم الركبان نتيجة المعارك الدائرة بالقرب منه وتوقف المساعدات الأممية:

تضاف إلى معاناة النازحين السوريين في مخيم الركبان فقدان معظم المواد الغذائية الأساسية كالخبز والطحين والسكر والزيت، وذلك نتيجة انقطاع المساعدات التي كانت تقدم للمخيم من قبل الأمم المتحدة منذ حوالي العام.

الوضع الطبي في مخيم الركبان:

يفتقر مخيم الركبان إلى أي مشفى ميداني أو مركز صحي، ويقتصر العمل الطبي فيه على خمس نقاط طبية يشرف عليها متطوعون من أهالي المخيم، كانوا قد تلقوا بعض التدريب في المركز الطبي التابع للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الداخل الأردني، وفي هذا الخصوص تحدث مدير إحدى النقاط الطبية داخل المخيم، وقال:

“الوضع في مخيم الركبان بات أشبه بالموت البطيء، فأهالي المخيم يعانون من نقصٍ شديدٍ في كافة مستلزمات الحياة، يضاف إليه النقص الكبير في الأدوية والمعدات الطبية، أما الخدمات الطبية فهي شبه معدومة، وتقتصر على نقطة طبية رئيسية إضافة إلى أربع نقاط طبية أخرى، ويتم تمويل بعضها بشكل بسيط، حيث يقدم الدواء مجاناً للمرضى رغم صعوبة الحصول عليه وارتفاع أسعاره، باعتبار أن بعض التجار يقومون بشراء تلك الأدوية من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام أو من مناطق سيطرة تنظيم “داعش”، ناهيك عن الصعوبة الكبيرة في تأمين الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة، كمرض السكري والربو والضغط.”

وأشار إلى أنه خلال اليوم الواحد يتم استقبال ما لايقل عن (40) حالة طبية من مختلف الأمراض، فنتيجةً لندرة المياه واستخدام مياه الأمطار كبديل للشرب والاستحمام، ظهرت العديد من الأمراض وخصوصاً بين الأطفال، ولعل أبرزها الإسهال الشديد والالتهابات الجلدية كالجدري والجرب والصدف، إضافة إلى أمراض الجهاز البولي كالحصى والرمل. كما نوه أبو حذيفة إلى عدم وجود أي غرفة عمليات جراحية أو قيصرية داخل تلك النقاط، الأمر الذي يستدعي تحويل تلك الحالات إلى الأردن، وتابع قائلاً:

“يتواجد في إحدى النقاط الطبية غرفة مخاض فقط، وقد بلغ عدد حالات الولادة خلال عام ونصف (2400) حالة، في حين بلغت حالات إسقاط الأجنة (700) حالة، وكل ذلك يحدث نتيجة الافتقار إلى التجهيزات والنظافة الطبية، كما لايوجد في مراكزنا الطبية أية حاضنة أطفال ولاحتى مخبر للتحاليل الطبية أو جهاز للتصوير الشعاعي، ويتم تحويل الحالات الطبية الصعبة إلى النقطة الطبية في الداخل الأردني والتي تشرف عليه منظمة “اليونيسيف”، كما أن الجانب الأدرني لا يوافق في كثير من الأحيان على إدخال تلك الحالات المرضية، إلا في حال كانت حالة المريض أقرب إلى الموت.”

التهديد الأمني الذي يحيط بمخيم الركبان:

شهدت البادية السورية القريبة من مخيم الركبان، معارك عنيفة مابين القوات النظامية السورية من جهة وتنظيم الدولة من جهة أخرى، وقد أدت هذه المعارك إلى سيطرة القوات النظامية السورية على كامل منطقة ريف السويداء الشرقي ومناطق من بادية حمص القريبة من مدينة تدمر، ماجعل النازحين السوريين في مخيم الركبان تحت تهديد خطر جديد.