سورية المستقبل: هويات تقليدية أم دولة الحرية والمواطنة؟

هل هناك تناقض بين الهوية الوطنية التقليدية وبنية الدولة الوطنية الحديثة، دولة المواطنة والقانون، أم إنه الزمن واختلاف مستوى تطور الإنتاج وآلياته وعلاقاته؟ الهوية الوطنية موضع اعتزاز وتكريم لدى الجماعة التي تنتمي إليها، فهي حاضن تاريخي لبنيتها وتكثيف لمفردات حياتها. إنها جزء من أنا الفرد والجماعة لدى من تعنيه. إنها كينونة هذا الشعب أو ذاك، وبناء روحه ودواخله، وهي، في الوقت نفسه، ملهمة أبنائه إبداعاً وارتقاء، وبما يخدم حياته أمناً وتوادّاً ورفاهاً. تتابين صورة الهوية خلال تكوُّنها وتطورها، فهي إما قَبَلِيًّة أو قومية أو دينية. وتدخل عادات الشعوب وتقاليدها ولغتها في تكوين الهوية التي قد تتباين مع تباين الأزمان، وتطور حياة ذوي الهوية الواحدة، وقد تدخل في تناقضٍ مع هويات أخرى بشأن مسائل حياتية، ربما قادت إلى نزاعات وحروب.

مع انتقال العالم إلى العصور الحديثة، نهضت ثورات برجوازية رافقت نمو الصناعة، فأنهت الشكل الإمبراطوري للدولة الواسعة الجامعة. وهكذا نشأت دول كثيرة على أسس هويات جديدة غلب عليها الطابع القومي، على الرغم من غياب نقاء العرق أو صفاء القومية، وبقاء تلون الأديان والمعتقدات كافة. وجرى تجاوز ذلك بالحرية المعطاة للإنسان الفرد وبالحقوق العامة، المتساوية سياسياً واجتماعياً وإنسانياً، وفق دستورٍ ينظم علاقاتها وقوانين تنفذ بنوده دونما تجاوزٍ من أية سلطة. وذلك كله بالطبع لم ينه التناقض بين بني البشر، بل لعله قد أخذ أشكالاً جديدة تمنح الغلبة للإنتاج القائم على العلم والمعرفة والعلاقات الأكثر إنسانية.

محمود الوهب – العربي الجديد

تعليق