زنوبيا وجيرانها الشرقيين ..

 

ثمة مجموعة كبيرة من الشواهد الأدبية المتعلقة بزنوبيا لا تزال موجودة بالقبطية والفارسية الوسطى في الوثائق المانوية التي وصلتنا من مصر ومن طرفان (آسيا الوسطى الصينية). والقصص المسرودة فيها غير معروفة لدى المؤلفين اليونان ـ اللاتين. بالمقابل، فإن عدداً منها مثبت في المواريث التي وصلتنا من خلال المدونات التاريخية المشتركة مع الشعر العربي القديم ومع الأدب العربي الكلاسيكي. وبالإضافة إلى أهميتها في تقدير القيمة الوثائقية لهذه المدونات التاريخية، فإن هذه المصادر تتميز بأنها تلقي على زنوبيا نظرة مكملة إذ تنقل وجهة نظر الجيران الشرقيين لتدمر، أكانوا من الحلفاء أو الخصوم في المقاطعات الساسانية أو في المعسكرات العشائرية إلى الغرب من الفرات. وفي الحقيقة فقد أهملت هذه الشعوب في كتب التاريخ اليونانية ـ الرومانية مثل “تاريخ أغسطس” كما وعند زوسيموس، حيث توصف هذه الشعوب بأنها ليست أكثر من ظلال نكتشفها تحت تسميات “الفرس” و”البرابرة” و”الشراكس” و”العرب” و”البدو” و”قطاع الطرق”.

وثمة ميزة أخرى لهذا التوثيق الجديد هي قربه الثقافي والزمني من عصر زنوبيا. ووفق الجغرافية الإدارية لتلك الفترة، كان المانويون الرافديون تابعين للملوك الساسانيين، لكنهم كانوا قبل كل شيء من الآراميين مثل مؤسسي ملتهم. وكان التدمريون والمانويون يكتبون بالآرامية واليونانية، كما وكانت لهم لغة مشتركة هي عبارة عن خليط من الآرامية والعربية. ولهذا يمكن القول إن الملكة والنبي المانوي كانا يتشاركان الثقافة نفسها، وقد كان مصيرهما متشابهاً أيضاً: فهما سوف يخفقان لكن بعد أن يكونا قد قدما كامل إمكانياتهما في محاولة تخطي وتجاوز وصاية الامبراطورية التي يخضعان لها. وفي الواقع فقد بدأ أورليان حكمه في الوقت نفسه تقريباً بوضع حد لحكم زنوبيا، وقام بهرام ابن شابور، الملك الرابع في السلالة الساسانية بقتل ماني. 

 

المراجع :

ميشيل تارديو بعنوان “حامية المانويين” في في كتاب “أنا زنوبيا، ملكة تدمر”، 
أوجينيا إكيني شنايدر بعنوان “زنوبيا في عصرها” في كتاب “أنا زنوبيا، ملكة تدمر”
الصورة: زنوبيا تلقي نظرة الوداع على تدمر بعد أسرها، لوحة معاصرة للرسام هربرت غوستاف شمالز، توفي عام 1935.