
حاسمة وفخورة وطموحة ومحاربة: تظهر هذه السمات الشخصية والنفسية منذ الأعمال الأولى لسبتيما زنوبيا، ملكة تدمر بدءا من عام 267 بعد الميلاد.
وكانت زنوبيا قد أصبحت أرملة لزوجها سبتيموس أذينة، “ملك الملوك”، وصاحب لقب corrector totius Orientis بأمر من الملك غاليان، والذي مات في حمص مع ابنه البكر سبتيموس هيروديان إثر عملية اغتيال. ولم تتردد زنوبيا في اتخاذ قرار الاستفادة من الوضع الذي وجدت نفسها فيه: فاستولت مباشرة على السلطة، وحكمت باسم ابنائها، معلنة نفسها كوريثة لهذا الدور في ضبط وسيادة شرقي الامبراطورية التي كانت تابعة لأذينة، والذي كان قد جعل منها منطقة حدودية كبيرة، ذات خصوصية شبه مستقلة تجاه السلطة المركزية.
ويبدو أن سرعة في رد الفعل وتحديدية واضحة قد ميزا بداية أعمالها، حيث كانت رؤية استراتيجية واسعة وإرادة بالتوسع تمليان عليها المراحل المقبلة التي عليها خوض غمارها. وقد سهل عليها مهمتها ضعف روما وعدم الاستقرار السياسي العام، فقررت زنوبيا زيادة سلطتها، وذلك بأن مدت في مرحلة أولى سيادتها على سورية.
ثم قامت بصلابة طموحة، تاركة تدريجياً سياسة زوجها الموالية أو المهادنة لروما، لتمد السيطرة التدمرية إلى شبه الجزيرة العربية، وأرسلت جيوشها بقيادة القائد زبدا لغزو مصر، وعملت على تأكيد تفوق تدمر على مدن آسيا الصغرى.
ويبدو أن نجاح مغامرتها العسكرية تلقى الدعم بشكل مؤقت، وإن كان من أجل محاولة استيعابها وتأكيد تبعيتها لروما، وذلك من خلال الاعتراف الشكلي في عام 270 للامبراطور أورليان بغزواتها.
وحصلت زنوبيا في الوقت نفسه لابنها وهب اللات على حق اكتساب الألقاب التي كان قد اكتسبها والده. وبدا ذلك كتأكيد رسمي لاحق، مع ميزة الأراضي التي اجتاحتها، للسمة الاستثنائية للوضع الدستوري لزوجها. وفي الحقيقة، كانت زنوبيا تأمل ببناء دولة قوية في المشرق، مدفوعة بإرادة صريحة بالإستقلال، ولكن أيضاً بحسابات سياسية خاطئة، بحرية كاملة في التصرف في الأراضي التي كانت قد أفلتت من سلطة روما.
وتميز البرديات الإسكندرية والنقود المسكوكة في أنطاكيا وفي الاسكندرية، بين عامي 270 و 272 بعد الميلاد، التطور التدريجي لهذا الوضع. فخلال فترة معينة من الزمن لم تكن زنوبيا ومعها وهب اللات يعارضان صراحة سلطة روما، وذلك بقصد إخفاء الاستيلاء الفعلي على السلطة تحت ستار التلاعب الدبلوماسي حيث لا يكون الاعتراف بأورليان كامبراطور سوى أمر شكلي.
ولم تعلن زنوبيا بشكل رسمي القطيعة الحاسمة مع روما إلا في عام 272: فقامت بسك نقود باسمها وباسم ابنها الذي أعطته لقب الامبراطور المعظم Imperator Augustus. أما فيما يتعلق بها، فقد أعلنت نفسها أوغسطا (المعظمة) Augusta. وهذا ما أدى بالنتيجة إلى ردة فعل عسكرية من أورليان كان من نتيجتها أنه استعاد مصر، وعاد ليجتاح الأراضي المفقودة، وبعد أن هزم على العاصي الجيش التدمري الذي كان يقوده زبدا فقد وضع حداً لحلم الاستقلال لدى الملكة. تقول الروايات إن زنوبيا اقتيدت إلى روما بعد أن أسرت.
بتصرف عن:
ديانات تدمر في عهد زنوبيا، سيلفي بلتري، ضمن مجلد معرض حول القطع التدمرية بعنوان: Moi, Zénobie rène de Palmyre.
الصورة لنقد وجد في الاسكندرية باسم وهب اللات، ابن زنوبيا.