
كانت تدمر تشكل بما هي المعبر السوري لطريق الحرير (بل ومعبراً كما يبدو للأفكار والثقافات والديانات) مرحلة أساسية في نظر ماني ضمن برنامجه التبشيري إلى العالم. وقد قام بهذه الخطوة تلميذان له: فقد عهد بالمناطق الواقعة إلى الشرق من إيران إلى مار أمو، أما البلاد الغربية، أو بعبارة أخرى الامبراطورية الرومانية، فقد تركت لمار أدا. وقد وصل هذا الأخير إلى تدمر واستقر فيها ليتقدم منها بعد ذلك باتجاه شمالي سورية (إذيسا، أو الرها) وجنوبيها (بصرى). وكانت تدمر ضمن الخريطة العامة لبعثة الغرب تعد البوابة التي سوف تفتح مصر للمانويين. وكان على تلامذة الجيل الثاني أن ينطلقوا بعد ذلك من مصر ليصلوا إلى مقاطعة أفريقيا الرومانية وإلى روما. فليس ثمة ما يدهش بالتالي في أن كافة القطع الوثائقية المتعلقة بتدمر وزنوبيا كانت تنتمي إلى بيانات أعمال هذه البعثة المزدوجة لمار أدا ومار أمو، ولمن تابع من بعدهما باتجاه الغرب والشرق.
قدمت أعمال البعثة الغربية في مخطوطات طرفان المانوية وفق مخطوطتين رئيسيتين. كتبت الأولى بالبارثية (M 1750 + M 216c) ونشرها سندرمان W Sundermann في عام 1981، وهي عبارة عن رواية موجزة ليست بعيدة عن الأحداث التي ترويها. أما النسخة الثانية منها فهي بالفارسية الوسطى (M 2)، وقد نشرها هنينغ W. B. Henning في عام 1933، وهي تبدو فيما يتعلق بعهد زنوبيا منتسبة بالكامل إلى النسخة البارثية. أما المخطوطة الثانية فهي أعقد بكثير وأكثر تفصيلاً، وهي مثبتة حتى الآن من خلال العديد الكتابات السوغدية. وقد نشر سندرمان من هذه الأوراق في عام 1981 الأجزاء 18223 (الشفاء العجائبي لأخب زنوبيا) و 18220 R, ex – TM 389 α (مار أدا يحاور [في تدمر أو حران أو الرها؟] مع عدد من الور ـ زيرت غير المكلفين بعد). وتروي عدة مقاطع مجمعة من أجزاء صغيرة سوغدية حواراً بين زنوبيا وأختها (اثنان من برلين، Staatsbibliothek [“K16” + 20505] واثنان آخران من مجموعة أوتاني Otani في طوكيو [7481 + 7521]) أعاد جمعها سندرمان ثم أكملت ونشرت في اليابان على يد يوشيدا T. Yoshida. ويذكر المقطع M 15502, ex-T III D 271 K وهو بالسوغدية أيضاً إنما غير منشور بعد رسالة مبعوثة إلى زنوبيا وذلك على الأرجح بواسطة أحد المانويين. ونجد في برديات مصر المانوية، المكتوبة بالقبطية (بلهجة أسيوط ـ ليكوبوليس) والتي ترجع وفق شكل الكتابات القديمة إلى القرن الرابع، أعمال بعثة تدمر نفسها بإشراف مار أدا كما هو مثبت بواسطة مخطوطة دبلن التي كانت تشكل جزءاً في الأصل من مخطوطة برلين P. 15997. وهي تشتمل على ملحوظة هامة جداً نشرت بإشراف ميشيل تارديو في دمشق عام 1992 حول استقرار المانويين في الحيرة انطلاقاً من تدمر وذلك في عهد زنوبيا.
راجع “ميشيل تارديو، حامية المانويين، في مجلد: أنا زنوبيا ملكة تدمر”
الصورة أحد مخطوطات المانويين في موقع طرفان