صواريخ كروز الروسية الأربعة التي أطلقت يوم الثلاثاء الماضي على منطقة تدمر واستهدفت عناصر من مقاتلي المعارضة التي تدعمها واشنطن، قالت موسكو إنهم عناصر «داعش» كانوا يفّرون من الرقة، لم تكن على عملية القصف التي نفذتها القوات الأميركية قبل أسبوعين، على منطقة ً أكثر من رسالة متأخرة ردا لقوات النظام والميليشيا الإيرانية التي التنف على الحدود السورية العراقية، واستهدفت رتلاً عسكرياً تسانده كانت تتقدم نحو الحدود العراقية، في سعي واضح ومعلن هدفه الالتقاء مع قوات من «الحشد الشعبي» الذي تدعمه إيران، تتقدم من الأراضي العراقية نحو الحدود السورية. المعارضة السورية أكّدت أن مقاتلي «داعش» الذين فروا من الرقة اتجهوا إلى محيط دير الزور، بينما تتقدم «قوات سوريا الديمقراطية» نحو الرقة بهدف إسقاطها، وأعلنت أنها اقتربت منها وباتت على أبواب حي المشلب شرق المدينة، وقد حصل هذا التقدم بعد قصف كثيف من قوات التحالف الدولي. بالتطورات العسكرية المتسارعة في تلك البادية على مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية، تبدو قياساً عملية القصف الروسي بمثابة دخول على خط التنافس الذي يتصاعد بوتيرة حامية بين إيران وأميركا، للسيطرة على تلك المنطقة البالغة الأهمية لأسباب استراتيجية ذات بعدين، سياسي إقليمي واقتصادي دولي.
قبل الحديث عن هذه الأبعاد الاستراتيجية، دعونا نتذكّر قوات النظام التي كانت تتقدم نحو منطقة التنف منشورات تحذر من أنها على استعداد لتكرار هذه العمليات إذا استمرت محاولة الالتقاء بين قوات «الحشد الشعبي» التي تتقدم من العراق وقوات النظام وحلفائه من الأذرع الإيرانية التي تتقدم من الحدود السورية.
على خلفية كل هذا تحّولت منطقة التنف ساحة مواجهة في ظل إعلانات من «الحشد الشعبي» بأنه مستعد للقتال حتى داخل الأراضي السورية، وفي ظل إصرار أميركي حازم على الحيلولة دون ذلك من خلال العمل لإقامة منطقة آمنة تمتد من الجولان فدرعا فالسويداء، وصولاً إلى ديرالزور عبر معبري التنف والبوكمال.
بالعودة إلى العوامل الاستراتيجية في بعدها السياسي، من الواضح أن سيطرة «داعش» عام 2014 على الرقة وإلغاء الحدود السورية العراقية، قطعت خطوط الاتصال الإيرانية التي تصل بين العراق وسوريا ولبنان، وهو ما يطلق عليه تعريف «الهلال الشيعي»؛ ولهذا فإن إيران تستميت لاستعادة السيطرة على هذا الكوريدور الحيوي، الذي لا يوصلها إلى شاطئ المتوسط جنوب لبنان فحسب، بل يعطيها عناصر جغرافية تساعدها في القول إنها تحارب إسرائيل.
لكن الولايات المتحدة مع سياسات الرئيس دونالد ترمب التي تصنف إيران دولة إرهابية، بدأت تقف بالمرصاد في وجه هذه الحسابات، لا بل إنها تصّعد بقوة ضد التدخلات الإيرانية في المنطقة، وذكرت أنباء نشرت يوم الأحد الماضي أن واشنطن بعثت برسالة إلى طهران بعد عملية قصف قوات النظام في التنف، هددت فيها بضرب مواقع داخل إيران، إذا تعر ّضت هذه للجنود الأميركيين في العراق أو سوريا، وأشارت هذه الأنباء إلى أن واشنطن تعّمدت إيصال هذه الرسالة عبر ضباط روس يشاركون في جلسات للتنسيق العسكري بين الطرفين داخل سوريا. لهذا الإنذار؛ ما يعني عملياً ً الإيرانيون نفوا أنهم تلقوا الرسالة، لكن إلقاء المنشورات الأميركية جاء تأكيدا على المستوى الاستراتيجي، أنه إذا فقدت إيران ممراتها إلى لبنان عبر سوريا والعراق فإنها ستفقد نفوذها في العراق، الذي بدأ يسجل مواقف متصاعدة ضدها حتى من قيادات شيعية، مثل رئيس الحكومة حيدر العبادي الذي ينتقد ممارسات «الحشد الشعبي»، ومقتدى الصدر الذي يدعو صراحة إلى وقف العبث الإيراني بالعراق، ومن ثم تفقد نفوذها في سوريا، حيث لن تبقى منصتها السياسية المتمثلة في الرئيس بشار الأسد، رغم تمسكهم به.
وهذا ما يدركه الروس ضمناً بنقطة ً لكل هذا؛ فإن ما سيحصل على الحدود السورية العراقية الأردنية من الجولان إلى أبو كمال مرورا الاشتباك الحامية في التنف، سيقرر مستقبل التوازنات الاستراتيجية الحساسة في المنطقة كلها، خصوصاً ! ً إذا انتهى الأمر باقتلاع الهلال الشيعي الذي تهدد طهران بجعله بدرا في السياق الميداني لهذه الوقائع واضح وجود سباق بين أميركا والتحالف الدولي من جهة، وبين إيران والنظام وميليشياتهما للوصول إلى الحدود، أميركا تريد السيطرة على طريق دمشق بغداد لملاقاة «قوات سوريا الديمقراطية» التي تدعمها والقادمة من الشمال والتي بدأت يوم الأربعاء تسلّم أسلحة أميركية ما أثار للانقضاض على تنظيم داعش في الرقة ودير الزور، وفي المقابل تسعى إيران ً غضب أنقرة؛ وذلك استعدادا والنظام للوصول إلى التنف لتلاقي الحشد الشعبي القادم من الشرق بهدف السيطرة على الكوريدور الاستراتيجي الذي يوصل طهران إلى الناقورة جنوب لبنان. يوم الثلاثاء الماضي رد قائد «الحشد الشعبي» هادي العامري على التهديدات الأميركية بالقول إن قواته سيطرت على قرية تارو في محاذاة جبل سنجار قرب الحدود السورية، وأنها ستبدأ عمليات عسكرية لتطهير الحدود في اتجاه قضاء القائم غرب محافظة الأنبار، لكن بعد ساعات رد قيادي من «قوات سوريا لقوات «الحشد الشعبي» إذا عبرت الحدود إلى مناطق ً الديمقراطية» بالقول: إنه سيتم التصدي فورا بين ً وجود إيران هنا، ولن نكون تحت أي ظرف من الظروف جسرا سيطرتها، وأنه «من غير المقبول بتاتاً (الحشد الشعبي) والنظام السوري».