عمليات تصفية وإعدام “من نوع آخر” تستهدف رعاة الأغنام في الأطراف المترامية للبادية السورية بين الفترة والأخرى، وبشكل خاص منذ مطلع عام 2021.
فئة لا تزال، بعد عشر سنوات من الحرب في البلاد، تصارع من أجل البقاء، وفي ذات الوقت تحولت إلى هدف لـ”ذئاب بشرية”، تضاربت الروايات بشأن هويتها، ما بين تبعيتها لتنظيم “داعش” أو للميليشيات التي تساند نظام الأسد، في مقدمتها الإيرانية.
آخر عمليات التصفية كانت مطلع مارس الحالي، إذ هاجمت مجموعة “مسلحة مجهولة الهوية” أحد رعاة الأغنام في منطقة الرهجان بريف مدينة حماة السورية، ما أسفر عن مقتله وجرح ثلاثة آخرين كانوا برفقته، إلى جانب نفوق وسرقة 400 رأس من الأغنام.
قبل هذه الحادثة بيوم واحد قتل أربعة من رعاة الأغنام بالقرب من منطقة رجم الصوان في خناصر بريف حلب الجنوبي، وعلى شاكلة الحادثة السابقة تعرضوا لإطلاق رصاص مباشر في الرأس، في عملية تصفية ميدانية، سبق وأن شهدتها مناطق في ريف الرقة ودير الزور، في أوقات متفرقة، خلال الأشهر الماضية.
كلتا الحادثتين تطرقت وسائل إعلام النظام السوري الرسمية إليهما، لتتهم وكالة “سانا” من أسمتها بـ”المجموعات الإرهابية” بالوقوف وراء عمليات التصفية، دون أن تذكر بالاسم الجهة المنفذة بعينها. وفي مقابل ذلك، كانت هناك رواية أخرى لمصادر محلية، اتهم بعضها خلايا داعش بتصفية رعاة الأغنام، بينما ذهبت أخرى لاتهام الميليشيات الإيرانية، على رأسها “لواء الباقر”.
“كلمة السر بيد الطرف المسيطر”
تخضع منطقة الرهجان التابعة لمدينة السلمية بريف حماة، والتي جرت فيها الحادثة الأولى لسيطرة قوات الأسد، بالإضافة إلى ميليشيات محلية بينها “الدفاع الوطني” وأخرى تتبع لأذرع إيران، بينها “حزب الله” و”لواء الباقر”، حسب ما قالت مصادر إعلامية من مدينة السلمية لموقع “الحرة”.
وتقول المصادر التي فضلت عدم ذكر اسمها: “جثة الراعي بعد إعدامه من قبل المجموعة (المجهولة) وصلت إلى المشفى الوطني بسلمية، بمعنى أن قوات الأسد والميليشيات المساندة لها قادرة على التحرك في هذه المنطقة بشكل كبير”.
وتوضح المصادر أن مناطق ريف حماة الشرقي لها تركيبة عسكرية خاصة على الأرض، إذ تتداخل فيها الأطراف المسيطرة، وبينما تدعم بمجملها قوات الأسد، تنقسم بدورها إلى “مجموعات محلية” كمجموعات “وريث اليونس” وأخرى تعود بالولاء لإيران، كالحال الذي تشهده باقي المناطق السورية الخاضعة لسيطرة نظام الأسد.
المصادر رجّحت وقوف الميليشيات المحلية والإيرانية وراء عمليات التصفية التي طالت رعاة الأغنام، وقالت: “لا يوجد نشاط للتنظيم في الرهجان، كونها منطقة واقعة غربي أوتوستراد الرقة. من الصعب وصول خلايا داعش إليها”.
في مقابل ما سبق، فإن البادية السورية التي تتوزع على محافظات دير الزور، الرقة، حلب، حماة، حمص، ريف دمشق، والسويداء، تشهد منذ قرابة عام نشاطا عسكريا غير مسبوق لخلايا من تنظيم داعش.
هذه الخلايا كانت قد نفذت عدة هجمات على مواقع سيطرة قوات الأسد في المحافظات المذكورة، بينها محافظة حماة، وهو الأمر الذي أعلنته وسائل إعلام روسية وسورية في وقت سابق، وتحدثت عن إحباط عدة عمليات تسلل لداعش اتجاه “مناطق المدنيين” في المنطقة.
هل لداعش مصلحة؟
مقتل الرعاة في الرهجان بريف حماة يعيد الذاكرة إلى الأشهر الأولى من عام 2020، وفي ذلك الوقت شهدت منطقة معدان في ريف مدينة الرقة السورية حادثتين منفصلتين، قتل فيها أكثر من 15 راعيا “ذبحا” على يد مجموعات مسلحة، تضاربت أيضا الروايات حول هوية منفذيها، لكن الأقرب منها رجحت مسؤولية الميليشيات الإيرانية بينها ميليشيا “لواء فاطميون”، كون معدان تخضع لسيطرة خالصة لقوات الأسد.
وبعد أشهر من الحادثتين، في أكتوبر 2020 ذكرت تقارير لشبكات إعلامية من المنطقة أن الميليشيات الإيرانية المنتشرة في ريف الرقة أقدمت على خطف واعتقال ثمانية رعاة أغنام، بتهمة التعامل مع تنظيم داعش، وتسريب معلومات لخلاياه في بادية سوريا.
يرى الباحث في شؤون الجماعات الجهادية، عرابي عرابي في تصريحات لموقع “الحرة” أن المنطقة التي تشهد عمليات تصفية وإعدام لرعاة الأغنام تنشط فيها بشكل أساسي ميليشيات إيرانية، “بعيدا عن أي نشاط لتنظيم داعش”.
ويستبعد عرابي مسؤولية داعش بشأن إعدام الرعاة، كونه “يحاول استقطاب عناصر محلية، وخاصة رعاة الأغنام، والذين يعتبرون المصدر الأولي للمعلومات له. يحصل من خلالهم على معلومات بشأن تحركات النظام في منطقة البادية ومحيطها، كونهم يتنقلون لرعي الأغنام في مناطق واسعة ومتعددة أطراف النفوذ”.
ويضيف الباحث: “نلاحظ أن داعش يهتم بموضوع رعاة الأغنام خلال سنوات نشاطه السابق في سوريا والعراق، لذلك وفي حال توجهه لقتلهم فسيخسر مصدر المعلومات الأولي، والذي يعزز به حاليا نشاطه في منطقة البادية”.
وبوجهة نظر الباحث فإن “رعاة الأغنام حاضنة شعبية يمكن أن تعتمد عليها خلايا داعش أيضا للحصول على المواد الغذائية وغيرها، لذلك هو حريص على عدم قطع العلاقة معها”.
“هجمات كلاسيكية. داعش مسؤول”
من جانب آخر فإن اللافت في العمليات التي تستهدف رعاة الأغنام حدوثها في فصل الربيع، أي في الأشهر الأولى من كل عام، حسب الصحفي السوري، محمد حسان، موضحا: “تتركز في فصل الربيع، كون الرعاة والمدنيين يخرجون للبحث عن المراعي من جهة وللبحث عن فطر الكمأة في مناطق البادية من جهة أخرى”.
ويقول حسان في تصريحات لموقع “الحرة”: “تصنف هذه الهجمات بأنها كلاسيكية أي شبه معتادة في هذا الفصل”، ووفق رأيه فإن تنظيم داعش هو المسؤول الأبرز بالوقوف وراءها، في كل من باديات دير الزور والرقة وحمص وحلب وحماة.
وفي معظمها تكون الأهداف المرجوة من عمليات التصفية والإعدام للرعاة سرقة قطعان الأغنام.
ويضيف الصحفي السوري أن هناك معرفات إعلامية غير رسمية لداعش كانت قد نشرت في الأشهر الماضية تسجيلات مصورة من داخل مناطق بادية سوريا، وأظهرت مقاتليه برفقة عدد من القطعان، بعد السطو على مالكيها.
وتعتمد خلايا داعش المنتشرة في بادية سوريا على قطعان الأغنام كمصدر لتأمين الغذاء في “البادية الشاسعة”، وعلى الرغم من تحملهم مسؤولية إعدام الرعاة، هناك عمليات مشابهة تنفذها ميليشيات محلية مرتبطة بنظام الأسد، بينها ميليشيات إيرانية، بغرض السرقة والسطو.
وسبق أن قالت وزارة الخارجية الأميركية في تقرير لها صدر في سبتمبر 2020 إن “الصراع السوري يوضح أن كل من داعش والميليشيات الشيعية التابعة لإيران يغذيان أحدهما الآخر مستغلين ظروف الصراع لتعزيز قبضتهم على المجتمعات المحلية”.
“التغذية المتبادلة” قد ينعكس صداها بشكل أساسي في ريف محافظة دير الزور شرقي البلاد، وصولا إلى ريف حمص وحماة والرقة، وهي مناطق تتداخل فيها المساحات الجغرافية التي يسيطر عليها كل طرف.
وتبلغ مساحة البادية السورية نحو 80 ألف كيلومتر مربع، وحسب مراقبين فإن نشاط خلايا “داعش” في البادية يأتي ضمن استراتيجية مختلفة بشكل جذري عن استراتيجياته السابقة في القتال، خاصة من ناحية تنقّل المقاتلين أو أساليب الاستهداف المحددة.
ومنذ أشهر تخوض روسيا وقوات الأسد عمليات عسكرية غير معلنة في البادية السورية، يشارك فيها الطيران الحربي، وخاصة في أجزاء البادية من ريفي حماة وحمص، وذلك بعد تصاعد الهجمات التي باتت تعيق تنقل المدنيين والعسكريين على الطرقات الواصلة من جنوب سوريا إلى الشمال في محافظة حلب.
“مناطق رخوة أمنيا”
مما سبق هناك معادلة واضحة تتعلق برعاة الأغنام في منطقة البادية السورية، وترتبط باتجاه هؤلاء للبحث عن مصادر الرزق في مناطق تعتبر “رخوة أمنيا”، وتخضع لسيطرة جهات عسكرية عدة، بينها داعش وقوات الأسد وأخرى ميليشيات سورية وإيرانية، وغيرها.
لذلك فالرعاة معرضون لهكذا نوع من الحوادث، نظرا للحالة الأمنية المتعلقة بالمنطقة التي يستهدفونها، سواء في بادية ريف حماة أو نظيراتها في الرقة وحمص ودير الزور.
ويوضح الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، نوار شعبان أن “رعاة الغنم يتحركون بمناطق واسعة، وبمجرد وجودهم في منطقة غير مؤمنة بشكل كامل فيعتبر ذلك وكأنه دعوة لأي جهة عسكرية متطرفة بقتلهم وسرقة ماشيتهم”.
ويقول شعبان في تصريحات لموقع “الحرة”: “تصفية رعاة الغنم يمكن تصنيفه ضمن العمليات بغرض السرقة، وليس له أبعاد أمنية أو سياسية”.
ويؤكد الباحث السوري: “الاستهداف يرتبط بمواضيع تجارية بحتة بهدف السرقة، وعند الحديث عن الطرف المسؤول فيمكن القول فإنه يعود بالنسبة الأكبر للميليشيات المساندة للنظام المسيطرة على المناطق التي تحدث فيها عمليات الإعدام والتصفية، ومن ثم تنظيم داعش”.
المصدر: موقع الحرة