حوض تدمر شاهد على غنى البادية السورية

منخفض واسع يقع في مكان متوسط على طريق الحرير بين بلاد الرافدين والبحر المتوسط الشرقي، عند أقدام الجبال التدمرية ونهايتها الشمالية الشرقية والتحامها بالجبال الوسطى. وهو حوض عديم التصريف يقع دون مستوى 400 متر/ فوق سطح البحر، تشغل أخفض أجزائه سبخة الموح ومملحتها الواقعة على ارتفاع /375 متر/ فوق سطح البحر. وإلى الشمال من السبخة قامت مدينة تدمر.

والحوض منخفض بنائي تكوّن في الجيل الرابع الجيولوجي نتيجة حركات صدعية تضافرت مع الأعمال الجيومورفولوجية المتأخرة لرسم صورة الحوض. إذ امتلأ بالرسوبيات البحيرية الرباعية في بحيرة تدمر القديمة التي زالت ولم يبق من آثارها سوى سبخة الموح والرسوبيات المذكورة.
إن حوض تدمر يؤلف نواة البادية التدمرية وقطبها، ويمتد تأثيره خارج حدود الحوض المغلق إلى مسافات بعيدة جنوباً حتى أقدم جروف طرَق العلب وفروع تارات العلب، وشرقاً حتى أرض الفيضات. أما شمالاً وغرباً فتقف الجبال حائلاً بين البادية التدمرية وما وراء الجبال، إلا عبر الممرات والمفاوز الجبلية، كما هو الحال في ممر ثنية الملح ومفازة الدَّو غرب تدمر، ووادي قصر الحلابات في الجنوب الغربي، ووادي الأبيض والرهاوي في الشمال ومفازة الطيبةـ الكوم في الشمال الشرقي. أما شرقاً فالأرض مفتوحة ولا عقبات تعيق الحركة والانتقال عليها باتجاه وادي الفرات.
إن العرض الموجز للأوضاع الطبيعية لأرض البادية في هذه المنطقة يؤكد على أن البادية السورية مجال مفتوح وذات أرض صالحة للسير عليها في أكثر أرجائها، وبالتالي يتم عبورها على طرق من النموذج الحر غير المقيد أو الإلزامي، خلا مواقع محددة جداً،
إن نموذج الطرق الحرة هذا يسمح للإنسان باختيار الطريق القصيرة والسهلة والمريحة التي تمر على مواقع المياه والمراعي بالنسبة للقوافل التجارية القديمة. وهذا يدعونا للتعرف على عنصري الماء والنبيت (النبات الطبيعي) في البادية.

ويقول المؤرخ الدكتور محمود السيد نائب مدير المخابر وقارئ النقوش الكتابية القديمة في المديرية العامة للآثار والمتاحف أن حوض تدمر هو منخفض بنائي تكون في عصر البليوسين فترة جيولوجية تمتد زمنيا من 332ر5 مليون سنة وحتى 588ر2 مليون سنة خلت وهي الفترة التي تلي فترة الميوسين و يتبعها فترة البليستوسين وهي فترة زمنية امتدت من 588ر2 مليون سنة إلى 700ر11 ألف سنة واستمر خلال الرباعي أحدث العصور الثلاثة لحقبة الحياة الحديثة في مقياس الزمن الجيولوجي ويأتي بعد عصر الثلاثي العلوي ويمتد من 588ر2 مليون سنة خلت إلى الآن.

ويضم فترتين جيولوجيتين هما.. البليستوسين والهولوسين نتيجة حركات صدعية فالقية وعمليات جيومرفولوجية نتج عنها تشكل بحيرة تدمر القديمة التي كانت تقع في أخفض أجزاء حوض تدمر ويبلغ أدنى ارتفاع لها نحو 365 مترا عن سطح البحر وتتوافق حدودها الجنوبية مع فالق الصوانة و يظهر فالق الأبتر في الجزء المركزي من البحيرة.

ولفت السيد إلى أن لباب الحفر في مركز البحيرة يتألف من صخور البليوسين الرملية الغضارية وأن تحليل البقايا المستحاثية المتبقية في المنطقة تسمح في ضوء المعطيات الأثرية والعلمية الحالية بتحديد مساحة البحيرة مبدئيا بنحو 600 كم مربع وطولها نحو 60 كم وعرضها 25 كم وانهاكانت مملوءة بالمياه العذبة موضحا أن الدراسات تبين أن أعظم حد وصل إليه مستوى مياه البحيرة حتى خط الكونتور 400 متر فوق سطح البحر خلال الباليوليت الأوسط خط الكونتور هو خط المنسوب في المسح الجيولوجي.

وبين الدكتور أن مساحة البحيرة ازدادت أو صغرت بتناوب العصور الجليدية التي حدثت خلال الرباعي حيث كان مناخ المنطقة رطبا كثير الأمطار تشكلت خلاله سيول ومجار مائية كثيفة وينابيع غزيرة غذت البحرة بالمياه العذبة ونجم عن ذلك نمو النباتات حول البحيرة و نمو الأشجار الكبيرة والشجيرات المتنوعة مشكلة غابات كثيفة في الجبال المحيطة وتواجد أنواع عديدة من الطيور النادرة أهمها أبو منجل الأصلع النادر جدا عالميا.

ويؤكد نائب مدير المخابر أن لبحيرة تدمر القديمة الفضل في قيام حضارة تدمر فقد قامت مدينة تدمر شمال البحيرة التي تحولت في العصر الحالي إلى سبخة ملحية عرفت باسم سبخة الموح.

تعليق