ثمانية أشهر بعد سيطرة النظام على تدمر دون تغيير يُقنع أهلها بالعودة

بالميرا مونيتور – خاص

ثمانية أشهر تمضي بعد سيطرة النظام السوري على مدينة “تدمر” بريف “حمص” الشرقي, بعد أن كانت تخضع لسيطرة “تنظيم الدولة” لمدة قاربت العام شهدت فيها المدينة العديد من التطورات المتلاحقة بخصوص الوضع المعيشي والاقتصادي والمجتمعي بشكل عام.

حيث عانى الأهالي أثناء سيطرة التنظيم على المدينة صعوبات عدة, أهمها وأصعبها حملات النظام العسكرية من خلال القصف والدمار العشوائي الذي كان لا يفرق بين أحد من المتواجدين في المدينة إن كان من عناصر التنظيم أو من المدنيين والأهالي, كما عانى الأهالي وخلال فترات القصف ذاتها من قمع وظلم من عناصر وأمراء التنظيم الذين كانوا يفرضون قوانينهم واعرافهم على الناس هناك وبشكل قسري غير قابل للنقاش أو الاعتراض مهما كان مخالفاً أو خاطئاً.

أدّت تلك الحملات من النظام وممارسات التنظيم إلى نزوح وهجرة ما لايقل عن نسبة 85% من أهالي المدينة إلى مناطق التنظيم نفسه شرق سورية في “الرقة” وريفها وريف “ديرالزور”, كما توجهت نسبة كبيرة منهم إلى مناطق سيطرة المعارضة شمالي سورية في ريفي “إدلب” و “حلب”, ومنهم من اختار “تركية” وأوروبا ليبتعد عن كل مايجري على الساحة السوري, كما اختارت فئة قليلة جداً من النازحين مناطق سيطرة النظام السوري في حمص و “دمشق”, إمّا بحثاً عن حياة مستقرة نوعاً ما في ظروف أمنية ومادية صعبة هناك وإما كونه مرتبط بوظيفة أو عمل لم يستطع العيش أو تأمين مصدر دخل بعيداً عنه.

وكانت الفئة التي توجهت إلى مناطق النظام هي الأولى التي بادرت بالعودة إلى المدينة بعد سيطرة النظام عليها في أوائل شهر آذار من هذا العام في حين لم تعد أي عائلة من مناطق سيطرة المعارضة أو تنظيم الدولة, متأملين أن يروا ما كانوا يروه كذباً في وسائل الإعلام المحسوبة على المعارضة من حيث عمليات القصف ونسب الدمار والمجازر التي كانت تتعرض لها المدينة بشكل منهجي من النظام السوري وحليفته “روسيا” أثناء سيطرة تنظيم الدولة على المدينة, وكانت النظرات مخيبة للآمال بعد أن اكتشفوا صدق الروايات التي تدين النظام وأعوانه في تدمير المدينة الممنهج ومعاقبة أهلها المساكين, بل وكانت الرؤى تميل إلى الذهول والاستهجان لما كان يجري في المدينة من عمليات تدمير ممنهج ومبدأ إبادة كل من فيها من مخلوقات بما فيهم البشر, وعلى صعيد التراث فلم يستثنى الحجر أيضاً, فكانت للاوابد الأثرية نصيب كبير في الدمار أثناء حملات النظام وروسية الممنهجة والعشوائية على المدينة, ولم يقتصر الدمار على إجرام تنظيم الدولة وخرافاته تجاه التاريخ والحضارة في تدمر.

النظام يسرق اثار تدمرواليوم وبعد مرور ثمانية أشهر على سيطرة النظام على المدينة ووعود منذ بداية السيطرة بشأن الإصلاحات والصيانة للبنى التحتية وغيرها من المرافق العامة تمهيداً لعودة المدنيين إليها كما زعم النظام ومواليه من أهل المدينة خاصةً والذين كان لهم الدور الأكبر في ممارسة وإشهار الفساد والسرقات والمتاجرة بأملاك وشقاء أهل المدينة في أولى أيام سيطرة النظام عليها, حيث شنّوا حملات ممنهجة لسرقة منازل وممتلكات أهالي المدينة النازحين ومن ثم إحراقها بإشراف الميليشيات الشيعية الموالية للنظام السوري.

فنسبة الإصلاحات وخلال الشهور الثمانية المنصرمة, لم تتجاوز صيانة بعض أعمدة الكهرباء ومحوّلاتها إضافة إلى صيانة مؤقتة لشبكة المياه والصرف الصحي وتجهيز مدرسة واحدة في المدينة (عدد مدرّسيها أكثر من عدد الطلاب حسب روايات الهالي هناك), كما تم تجهيز غرفتين في مشفى تدمر الوطني في سبيل خدمة جيش النظام وعناصر الميليشيات الموالية له والمتواجدة في المدينة, كما وحسب مصادر مطّلعة داخل المدينة فإن عمليات الصيانة والإصلاحات اقتصرت ولازالت على الأحياء التي يستوطن فيها مسئولي النظام والميليشيات الشيعية الموالية له هناك, كحي الجمعية الغربية الذي لم يتعرض لنسبة دمار كبيرة ويمنع أهالي المدينة من الاقتراب منه كونه مستوطنة لتلك الميليشيات وعائلاتها.

أمّا على صعيد عودة الموظفين من مناطق النظام إلى دوائرهم وبشكل إجباري وليس طوعي في المدينة, فيتحدث الكثير منهم عمّا يعانيه من ظروف ومصاريف السفر اليومي من حمص إلى تدمر كون المدينة لا تصلح للاستقرار معيشياً من جهة عدم توفر أي سبل أو بارقة امل للحياة والاستمرار فيها هناك, وانعدام الأمان على العائلة والأطفال والنساء لما يعانونه من ممارسات عناصر النظام ومواليه وشبيحته من جهة أخرى, فيختارون الذهاب والعودة ولو على مضض أفضل من الاستقرار في مدينة أشبح وميليشيات مرتزقة لا يؤمن لها جانب.

المدرسة الأهلية في حزانو

 

وفي مناطق الشمال السوري حيث تسيطر المعارضة هناك, أنشأ مجموعة من مدرّسي المدينة مدرسة خاصة بالنزاحين من تدمر في بلدة “حزانو” بريف إدلب في سبيل البحث عن الاستقرار المؤقت وإبقاء العملية التعليمية والتربوية قيد الحياة مهما واجهت من صعوبات, وأن التعليم والتربية ليست مقتصرة ولا محصورة في مناطق النظام ورعايته وإدارته لها.

 

 

وينظر النازحين في مناطق سيطرة تنظيم الدولة ومناطق سيطرة المعارضة وحتى في مناطق سيطرة النظام نفسه, بأن المدينة وبرغم كل ما يشاع عن عمليات الإصلاح فيها بأنها لليوم ليست قابلة ولا بأي شكل للعيش أو الاستمرار فيه نظراً لعدم الاستقرار الأمني فيها بعد استمرار وتكرار عمليات الاعتقالات والسرقات وحتى الخطف برغم النسبة القليلة من السكان فيها من جهة, ومن جهة اخرى أنّ تنظيم الدولة ليس ببعيد عن المدينة وهناك معارك شبه يومية بينه وبين النظام في منطقتي “صوامع الحبوب” و “السكري” والتي لاتبعد إحداهما سوى ثماني كيلومترات شمال شرقي المدينة, وربما ينتظر التنظيم الفرصة المناسبة لاستعادة السيطرة عليها وتبدأ معاناة الأهالي من جديد, فأغلبهم بات يبحث عن مصدر رزق وعيش في مكان تواجده ومهما واجه من عقبات وصعوبات بدلاً من العودة إلى مدينة يشوبها حالة مقرفة من فقدان الأمن والأمان وغير مستقرة عسكرياً نظراً لقرب تنظيم الدولة منها وتوعّداته المستمرة بإعادة احتلالها من جديد.

 


تعليق