تقع منطقة الكوم في قلب البادية السورية، في منتصف المسافة بين واحة تدمر ووادي الفرات، إلى الشمال من بلدة السخنة، في قلب البادية الشامية، وهي واحدة من الأماكن التي سكنها إنسان العصر الحجري القديم، وأحد أهم مواقع ما قبل التاريخ في العالم
وتأخذ واحة الكوم شكل حوض مربع طول ضلعه 30 كيلومتراً، وتحيط به الأودية من جهاته الأربع، ويحوي عدداً من القرى الصغيرة، وتقوم في جزئه الجنوبي قرية الكوم، وفيها تل الكوم الكبير، بالقرب من السخنة

وتضم الكوم سلسلة من المواقع الأثرية، وفيها بعض أطول وأهم التسلسلات الحضارية في الشرق الأوسط، بفترات استيطان بشرية تعود إلى مليون و٨٠٠ ألف سنة
وتؤكد المعطيات الأثرية أن هذه المنطقة التي باتت اليوم صحراوية شبه جرداء، تعرف باسم بادية الشام، كانت غنية بالينابيع وبالغطاء النباتي فيما مضى، ما جعل الإنسان والحيوان يستقر بها لفترات متتالية منذ أقدم العصور. ومنذ ذلك التاريخ طور الإنسان السوري العديد من التقنيات الجديدة لتصنيع الأدوات الحجربة، ومنها الفأس الحجرية ذات الوجهين.

وامتلكت المنطقة المقومات الضرورية والمناسبة لوجود إنسان ما قبل التاريخ ومعيشته، وقد شكل وجود ينابيع مياه طبيعية فيها أحد أهم عناصر الجذب إليها
وهناك تصورات تفيد بأن الإنسان الأول قد استخدمها أيضاً كممر للتنقل من موطنه الأصلي في أفريقيا في اتجاه آسيا وأوروبا، وذلك قبل استخدام المنطقة للتجارة فيما عُـرف بطريق الحرير في عصور لاحقة
تابعت بعثة فرنسية منذ السبعينيات التنقيب في الجزء المنخفض من تل الكوم، وفي تل الكدير، شـمال ـ غربي الواحة
وفي عام 1989، اكتشفت البعثة الأثرية السورية السويسرية في منطقة الكوم بقايا جمل عملاق فريد من نوعه في العالم، ما يؤكد أن بادية الشام كانت المنطقة الأولى في العالم التي شهدت تطور ونمو فصيلة الجمال بكل أنواعها، كما يتيح توضيح معالم استقرار الإنسان الأول بالمنطقة أثناء تنقله من إفريقيا الى آسيا وأوروبا
ومكّنت أعمال التنقيب في تل عريضة في حوض الكوم من العثور على أحد أهم مواقع عصور ما قبل التاريخ، والتي لازالت مُصانة بشكل جيد، وتقدم الكثير من المعلومات عن بداية استقرار الإنسان والحيوان قبل حوالي مليون سنة.

بدأت الحفريات في منطقة الكوم منذ العام 1967. ووجد ان بقايا الإنسان في المنطقة نادرة جداً باستثناء قطعة من جمجمة إنسان “هومو إيريكتوس” عُثر عليها في الندوية، أما في بئر الهمل فلم يتم العثور إلا على سن وعلى قسم من ذراع بشري.
ويؤكد تحليل بقايا غبار الطلع في عدة سويات أثرية تؤرخ بالعصر الحجري في موقع الندوية شمال تدمر غنى الموقع بطبقات عشبية غنية بالأنواع النباتية غلبت عليها السرمقيات والنجيليات والنجميات كالأقحوان والهندباء والأرطماسية والقرنفليات والخشخاشيات ونباتات مائية كالسعديات وسلق الماء وشريط الماء كما تدل على انتشار بعض أنواع الأشجار التي لم تعد موجودة حالياً أو نادرة جداً كالصنوبر والعرعر والسرو والبلوط والزيتونيات.
اقرأ أيضاً: بئر “الهُمّل” وتاريخ للإنسان في سوريا يعود إلى مليون سنة
كما تدلل البقايا العظمية لجمال وخيول برية وحمير الوحش وغزلان مختلفة الأحجام وظباء والمها والبقريات الكبيرة والسلاحف وأسود وفيلة وضباع ونعام ووحيد القرن على غنى البادية السورية بأنواع كثيرة من الحيوانات وغناها بالغطاء النباتي خلال فترة العصر الحجري القديم علماً أن دراسة بقايا غبار الطلع المحفوظة في رواسب بحيرة تقع في موقع المشرفة الواقع على أطراف البادية السورية – وهي جافة الآن – تؤكد أنه كانت توجد بين عامي 2500 / 1700 قبل الميلاد غابة تنتشر فيها بكثافة أشجار العرعر والبلوط كما توثق البذور المتفحمة المؤرخة بالألف الثالث ق. م ازدهار زراعة الشعير والقمح والخضار وشجيرات العنب وأشجار الزيتون.

وتؤكد بقايا الحيوانات المؤرخة بعصر البرونز القديم الرابع وجود قطعان مهمة من الغنم والماعز والبقر والجاموس البري المنقرض والغزلان والحمار الآسيوي البري المنقرض وأن المخطط البياني لحبيبات غبار الطلع يؤكد أنه بحدود عام 1700 ق. م حدث تراجع و اضح لغابات العرعر والبلوط وتزايد مساحات الأراضي المكشوفة المؤلفة من مراع تحتوي على أعداد قليلة من الأشجار المتفرقة.
وحتى موقع #بئر_الهُمّل في حوض الكوم الذي عثرت فيه البعثة السورية السويسرية على كميات هائلة من أدوات صوانية رفيعة المستوى وذات تقنية عالية وفريدة من نوعها، وعلى بقايا عظام جمال يعود بعضها لأكثر من 400 الف سنة، فلم يتم فيها العثور على بقايا الإنسان باستثناء سن وجزء من ذراع بشري.
ويفسر رئيس الجانب السويسري في البعثة السورية – السويسرية في الكوم ومدير معهد عصور ما قبل التاريخ بجامعة بازل البروفسور جون ماري لوتانسورر ذلك بقوله ” قد يكون الإنسان اهتم مند القدم برعاية موتاه. ومع أنه لم يكن يعرف طقوس الدفن بعد، فقد راعى وضع الجثث في مكان غير المكان الذي كان يقيم فيه او يتناول فيه طعامه أو يصنع فيه أدواته. يُضاف الى ذلك أن الحيوانات المتوحشة تقضي على كل البقايا بما في ذلك العظام. كما أن تعرض تلك البقايا لحرارة الشمس في منطقة صحراوية يعمل على تفتيت كل شيء بما في ذلك العظام في غضون خمسة أعوام وهي التجربة التي قمنا بها هنا من خلال تعريض عظام حمير وأغنام لحرارة الشمس فيما يعرف بعلم ” تافونومي”.