تدمر وآثارها تدور في مثلث التخريب الممنهج

خالد الحمصي

نكاد نصل إلى شعور بأن تخريب آثار مدينة تدمر السورية، باتت تمثّل زاوية ثابتة في الأخبار في العالم، خصوصاً في وسائل الإعلام الغربية، ومع “عودة عمليات سرقة والاتجار بالآثار في تدمر، يصعب أن نعثر على صحيفة أو تلفزيون في الغرب لم يركّز على بربرية الجماعات التي لا تتورّع كلما عادت إلى تدمر عن هدم “كنوز البشرية” دون أن ننسى برتوكولات “الإدانة” التي تنتشر في خطاب السياسيين كلما تطرّقوا إلى الشأن السوري

هذه المرة توجّهت معاول الهدم، وبنفس الطريقة الاستعراضية التي خرّبت معالم تدمر في وقت سابق، إلى التنقيب السري والعلني على يد الميليشيات المحلية والأجنبية المسيطرة على المدينة.

 

نكاد نشعر بأننا داخل مسار لولبي تتكرّر في كل مرة حلقاته، ويعيدنا بعد لفّات قليلة إلى نقطة البدايةتبدأ الحكاية من تناقلٍ مكثّف لصور عن عمليات هدم للآثار على يد تنظيم داعش الإرهابي تثير انتباه العالم ، يليها بعد فترة استرجاع النظام السوري للمنطقة الأثرية، والتي ترافقها في الغالب احتفالات كبيرة لعل أشهرها الحفل السيمفوني الروسي في المسرح الأثري في تدمر عام 2017، ثم لا تمضي أشهر حتى نسمع باسترجاع “الدواعش” لنفس المنطقة وعودة عمليات التخريب، ومن ثم نبدأ في دورة جديدة بنفس العناصر

ثمة لعبة تفوح روائحها، ليست ضحيتها الآثار فحسب، فالعقل والمنطق هما أيضاً أول ضحاياهاغير أن “الحلقة الجديدة” من المسلسل تحمل مفارقات مثيرة، فإحدى الضحايا الأثرية لـداعش” هذه المرة هو نفس المكان الذي جرى فيه الاحتفال باستعادة تدمر

كما أن عمليات التخريب الجديدة والمقتصرة على التنقيب غير الشرعي والاتجار بتاريخ وحضارة المدينة المنكوبة، صحيح انها لا تقارن بتدمير إرهاب داعش، لكنها بالمحصلة أعمال تخريب وتشويه للتلااث الأثري العالمي والسوري، دون أي مشاريع او اهتمام من منظمة اليونسكو المدرجة في قوائمها آثار مدينة تدمر

لا بل أصدرت المنظمة المذكورة عدة بيانات تطمئن فيها العالم بأن آثار تدمر بأيدي أمينة وسيتم ترميمها، لكن أرض الواقع تقول غير ذلك، فأعمال التنقيب غير الشرعية من قبل الميليشيات الأجنبية والمحلية، مستمرة وتحت إدارة وحماية سلطات النظام السوري في المدينة.

وإلى جانب كلّ ذلك، تعيش الأزمة السورية منعطفاً سياسياً جديداً يتمثّل في “محادثات جنيف، ولذلك فإن ما جرى يبدو تجهيزاً يخدم خطاب “إما بقاء النظام أو انقضاض البربرية على سورية“. مع غبار التفجيرات، يصعب أن تكتمل الصورة، ولكن يمكن أن نبدأ في تخيّل إلى ماذا يريدون أن يفضي “اللولب“.