كانت تدمر قد نسيت أو كادت في مطلع عصر النهضة في أوروبا، عندما أعادها للأذهان كتاب ورحالة استلهموا شجاعة ملكتها الأسطورية، فكتبوا المسرحيات والقصص ورسموا اللوحات أو نسجوا مشاهدها من الخيال على السجاد وفي القاعات.
ومن الأدباء كان الفرنسيان لا برويير وموليير، وقد دفعت هذه الكتابات والأعمال عددا من الرحالة للمخاطرة والسفر إلى بقاع مجهولة بالنسبة لهم في سبيل اكتشاف ورؤية آثار هذه المدينة التي كانت مفعمة يوما بالجمال والحيوية والأعمال والعبادات والعمارة والتجارة والفكر أيضا… من هؤلاء الرحالة كان الإيطالي دلافالي (1616 و 1625) والفرنسي تافرينييه (1638)، وتلاهما إنكليز وألمان وتجار ورحالة من مختلف الدول الأوروبية. وفي عام 1751 قام الإنكليزيان وود وداوكنز بزيارة تدمر، ومسحاها أثرياً، وكان كتابهما “آثار تدمر” الذي نشر باللغتين الفرنسية والإنكليزية عام 1753 منطلقا لدراسات أكثر منهجية وتواتراً حول تدمر. في خطوة أكثر تقدماً، قام الفرنسي بارتليمي والإنكليزي سوينتون بقراءة الكتابات التدمرية وفك رموزها.
تدمر من النسيان إلى المعرفة
تدمر من النسيان إلى المعرفة
تدمر من النسيان إلى المعرفة
تدمر من النسيان إلى المعرفة
تدمر من النسيان إلى المعرفة
تدمر من النسيان إلى المعرفة
في عام 1881 اكتشف الأرمني الروسي أباماليك لازاريف نص التعرفة المالية التدمرية الذي تم نقله فيما بعد إلى متحف الأرميتاج في سان بطرسبرغ الروسية، وأثار اكتشافه موجة من الدهشة في الوسط الثقافي والاجتماعي الأوروبي بسبب طوله وتفاصيله وتفرده بالنسبة لذلك الزمن. وكان هذا الاكتشاف يشير بشكل واضح إلى المدى الذي بلغته تدمر من الازدهار والتنظيم والقوة. ومع بداية القرن العشرين بدأت أولى الأعمال الأثرية في موقع تدمر، حيث نشر الألماني فيغاند مؤلفاً ضخماً عن تدمر بعد أن زارها في موسمين وقام بأعمال مسح واكتشاف وتسجيل فيها في عامي 1902 و 1917. وفي عام 1914 أرسلت الأكاديمية الفرنسية بعثة لنسخ الكتابات التدمرية الظاهرة، ونتج عن هذه البعثة نشر جزء خاص عن تدمر. واعتبارا من عام 1924 بدأ الدانمركي هرالد إنغولت أعمال تنقيب منهجية في تدمر، وفي عام 1929 بدأ نقل بلدة تدمر من داخل سور معبد بل إلى موضعها الحالي بمساعي العالم الفرنسي هنري سيريغ. وبعد الاستقلال قامت السلطات الأثرية السورية بالتنقيب في تدمر وترميم آثارها وإعادة رفع أعمدة كثيرة فيها، وكان ذلك فاتحة لأعمال منهجية سورية مع بعثات أوروبية أحيت تدمر ونشطت السياحة فيها وجعلتها قبلة السياحة الأثرية في سورية. في عام 1785 كان كاساس أول فنان ورحالة فرنسي يدخل إلى عمق بلاد الشام لاكتشاف جمال موقع تدمر. أمضى في الموقع 34 يوماً، قام خلالها بإجراء قياسات ورسم تفاصيل أولية وعامة ورسم مشاهد دقيقة للآثار وللموقع. والصورة التي نرفقها هنا هي لوحة كبيرة لكاساس من بين أعماله التي نفذها اعتمادا على المعلومات التي جمعها وأخذها معه وبدأ برسمها في عام 1817. لقد تصرّف كاساس بالرسومات منجزاً تشكيلات تختلط فيها الفانتازيا مع الواقع. ونجد هنا مثالا على ذلك حيث الشارع المعمد الكبير وفي نهايته قوس النصر مع قبر إلابيل الذي يقع في المقبرة الشرقية وليس كما يبدو في الصورة. غير أن اللوحة التي تصور البادية السورية وقد ارتفعت فيها الأعمدة وترامت فيها الآثار كانت تشكل في زمن لم تكن قد اخترعت فيه أجهزة التصوير بعد لقطة مدهشة تنقل فخامة وبهاء تدمر إلى العالم الأوروبي.