
توفي يوم أمس “العقيد عبد الرزّاق بدّاي”، والمنحدر من مدينة تدمر بريف حمص الشرقي، بعد معاناة مع مرض عضال في مكان نزوحه بريف إدلب
ويعتبر العقيد عبد الرزاق، من وجهاء تدمر وقاماتها الإنسانية والشعبية والمجتمعية، حيث ساهم مع أبناء بلده بتحسين ومساندة نزوحهم وتهجيرهم قدر المستطاع، كما كان له دور فعلا في الثورة السورية منذ بدايتها.
وفي رثائه كتب ابن تدمر الأستاذ “أحمد الياسين” ما يمجّد حياته وإنسانيته ووقوغه ضد الظلم ومع الشعب السوري في ثورته وكرامته:
من لبنان يقول العقيد : انا هنا من أجل محاربة إسرائيل ولن أوّجه بندقيّتي باتجاه فلسطينيّ او لبنانيّ،
يصل بدّاي إلى شعبة تجنيد تدمر ليشغل منصب رقيب أوّل- في الأدبيات العسكريّة ذلك يساوي تخفيض الرتبة –
لا احتاج كولبة على باب المنزل، ولا رغبة لي بسيارة مع السائق او مجنّدين أبرياء، احوّلهم إلى خدم وعمّال سخرة، لا أحتاج لسلطة ،ثمنها ان أكون عبدا لكم وخائنا لوطني وأهلي .
لم يتغيّر العقيد ،ولأنّه لا يريد ان يمدّ يده لأحد؛ ذهب إلى سوق الخضار في ساحة المدينة؛ ليرسل إليه فرع البادية عشرات المخبرين والخزمجية الشامتين كلّ صباح،
ولتأتي مؤسّسات النظام كلّها: التموين والشرطة والمخابرات لإزالة أكبر مخالفة في تاريخ المدينة ( المخالفة هنا ليست بسطة الخضار المتواضعة، إنّها ممارسة الرفض ،إنّها ترفّع بدّاي عن ان يكون خائنا أوعبدا )
في 2015 تدخل داعش بأوامر من النظام
الدم يسيل في كلّ مكان نستيقظ على هولوكوست حقيقي بحقّ ابناء مدينتنا لم يستثن ثمانينيّا او طفلا ابن يوم واحد، قبورنا نكتتها البراميل وطالتها فؤوس داعش، الطائرات تدمّر بيوتنا، جنوده يرفعون علم البلاد فوق جثث اهلنا وفوق بيوتنا المدمّرة .
في رحلة التهجير تتبوّل النساء في العراء، يموت الأطفال من الجوع نستجدي الآخرين للحصول على مأوى يستر نساءنا ،
(وبعد ماكنت عالي من العوالي
صرت اني على باب العوالي
ذيب اللي بالفلا جظ وعوالي
وشكا بمصيبتي عام وسنة )
الرثاء ليس هو الشيء الذي يحتاجه العقيد لنكون اوفياء له ،
ففي الوقت الذي يبتهج فيه فرع البادية بموت رمز من رموز المدينة يدفع بمخبريه السابقين والمخلصين والمتفانين لإلحاق الأذى بكلّ أبناء المدينة وأطفالها وبكلّ مؤسّساتها البسيطة وهيئاتها وتجمّعاتها وتسفيه كلّ تجربة او محاولة تنفعها خارج حدود سيطرته ،
يقولون : (نحن نستطيع العودة إلى حضن النظام ولايقولون إنّنا مخبرون )
كلّ الدم الذي أريق في الرقّة، كلّ الأطفال الذين قتلوا بوحشيّة ولؤم ابتداء بحبيب مهران حبيبي وليس انتهاء بأسراب العصافير التي تحوّم الآن فوق القطّار وهيّان وعويمر ، كلّ التشرّد الذي عاشه أبناء بلدنا في المهاجر الممتدّة من البلاد الباردة إلى آخر بقعة ينوح فيها الحمام لا يساوي شيئا عندهم .
لنكون اوفياء للعقيد وليكون رثاؤنا منسجما مع مأساتنا وصبرنا وتحدّينا ؛يجب ان ندرك أنَهم شركاء حقيقيون بكلّ قهر عشناه ونعيشه منذ اقتلعنا من ارضنا وهبطنا في بلاد الآخرين كغيمة شاردة ، ويجب أن يعرفوا جيّدا أنّ زمان فرع البادية والأمن العسكري في حمص ومموّلي ميلشيات تدمر وحمص ودمشق ومصياف الطائفيّة قد انتهى ولن يعود أبدا ولن يستطيعوا الاحتماء بأحد بعد اليوم .
وداعا أبا محمود ستبقى في قلوبنا، سنواصل تحدّي النظام المجرم ، وسنحكي للأطفال قصّة رمز.