تدمر الثورة .. تاريخ يتألم، وحاضر حر ومؤلم

خالد الحمصي

من هي تدمر؟

انها مدينة تدمر الأثريَّة، وتقع في وسط البادية السورية شرقي عاصمة الثورة السورية (حمص) .هي مدينة أثرية غنية بأثارها الجميلة والنادرة، وهي مقصد للسياح من شتى بقاع الأرض .
وكغيرها من المدن السورية إنتفضت وتظاهرت وطالبت بالحرية وإسقاط النظام , حيث بدأ الحراك الثوري في المدينة منذ الفترة الاولى فهي تعد من أوائل المدن الثائرة , لكن التهميش الإعلامي كان لها بالمرصاد!

تدمر.. عسكريا!

و تعتبر مدينة تدمر نقطة عسكرية أكثر من كونها مدينة سكانية و وسياحية , فالسجن السياسي والمطار العسكري يحدانها من الشرق , ومن الشمال نجد إدارة المركبات التي تحوي على عدة كتائب , ومن الغرب يحدها فرع الأمن العسكري , بالاضافة الى الأمن السياسي وإدارة الجمارك.
انطلقت فيها أول مظاهرة إثر وصول نبأ استشهاد أحد زينة شبابها وهو «المجند محمد عوض القنبر» بعد أن رفض أمر اطلاق النار على المتظاهرين في مدينة درعا, وكآنت هذه كالقنبلة التي فجرت المظاهرات فيها.

الإنتفاضة الثانية

كان الانتفاضة الثانية بعد مجزرة الساعة في مدينة حمص , حينها زفَّت المدينة شهيدها الثاني «النقيب عمر الكناوي» في مطار مدينة تدمر بعد معرفته بأمر دفن شهداء مجزرة حمص في صحراء تدمر ومحاولته اثارة الموضوع اعلامياً .
توالت المظاهرات في المدينة بحركة أقوى, فأصبحت المظاهرات شبه يومية , مما اضطر رجال الأمن الى وضع حواجز داخل المدينة , وأصبح انتشار الأمن داخل المدينة بشكل لايطاق , باستثناء يوم الجمعة حيث تخرج أكبر المظاهرات , لكن في اليوم التالي تبدأ حملة المداهمات والإعتقالات ، ولم يجد معظم الناشطون مكان للأختباء سوى بساتين المدينة والتنقل بينها !

الصدام الأول

كان أول صدام بين المتظاهرين العزل وبين رجال الأمن المسلحين في 3-8-2011 و وقع حينها مابين 10 الى 15 جريح.
بدأ زخم المظاهرات يزداد بعد أن كُسِرَ حاجز الخوف، حينها اجتمع «العميد علي صافي» الذي كان «قائد الفرع العسكري «بوجهاء المدينة وعناصر حزب البعث وأخبرهم انه تم إبلاغه من السلطات العليا بضرورة إطلاق النار, وقال بالحرف الواحد (إجتنا أوامر انو اذا بدكن تطلعوا مظاهرات رح نطلق عليكن ويروحو شي 6 أو 7 عادي وعشرة كمان شو هاالشغلة).
وفعلاً بدأوا تنفيذ الأوآمر ,ففي 19-8-2011 جمعة «بشائر النصر» خرج أبطال المدينة بمظاهرة كبيرة عارمة , وأدوا القسم على عدم عودتهم حتى إسقاط النظام , وفي هذه الأثناء كان رجال الأمن قد انتشروا , وفجأة بدأ إطلاق النار بكثافة على المتظاهرين وبلغ عدد شهداء ذلك اليوم 6 شهداء وعدد الجرحى يزيد عن 20 جريح !!

النزوح إلى تدمر

وكنتيجة للعنف الغير مسبوق واستهداف المنازل بالأسلحة الثقيلة والمدفعية على مدينة حمص , نزح الآلاف من سكانها إلى تدمر والذين يقدر عددهم ب ( 316 عائلة) مما أدى إلى إستنفاد كبير للمواد الغذائية والأدوية ومواد التدفئة والتي هي أساساً شحيحة ولا تكفي لسكان البلدة الأصليين.
و منذ بداية شهر كانون الأول 2011 ولمدة 19 يوماً يسمع أصوات دوي انفجارات وإطلاق رصاص متقطع في أغلب الأوقات من داخل سجن تدمر السياسي ( العسكري ) ومن مطار تدمر العسكري وحسب روايات مؤكدة من الأهالي المجاورين للمنطقة فإن ذلك يترافق مع حدوث إعدامات لسجناء في سجن تدمر وانشقاقات من داخل المطار.
وبدأت عمليات الأنشقاق تتزايد في المدينة , وبدأت تتشكل عناصر تابعة للجيش الحر لحماية المتظاهرين بأسلحة خفيفة.

سرقة التاريخ

في تاريخ 6 / 2 / 2012 تمت محاصرة مدينة تدمر من ناحية المنطقة الأثرية بقوات مشتركة من الأمن والجيش , وقاموا بنصب الحواجز على المداخل الرئيسية للمدينة من كل المحاور , وتم قطع كافة الأتصالات الأرضية والخليوية والانترنت عن كامل المدينة وما حولها  وكل ذلك تجهيزاً لاقتحام المدينة.
ثم تابعت قواتهم تقدمها في منطقة البساتين مخلفين ورائهم حواجز عسكرية مدعمة بآليات ثقيلة مانعين أي شخص من دخول المنطقة وذلك بغرض التفتيش الدقيق وحجة البحث عن المسلحين.
ولكن الأمر كان أسوء وأكبر من ذلك بكثير, إذ تأكد بأن قوات الجيش والأمن تتعمد تطويق المنطقة ونشر الحواجز بغرض السرقة , وليست كأي سرقة.. إنها سرقة التاريخ , سرقة الحضارة التي كانت ومازالت حضارة أبدية عريقة !
وبعد أن أتَتْ قوات الجيش وإستقروا في المدينة ضعفت المظاهرات وأصبحت «طيّارة»

مرحلة جديدة

و بدأت مرحلة جديدة لدى ناشطي المدينة وهي تهريب الجنود المنشقين وتكررت الحادثة أكثر من مرة’ تم على إثرهم فَقِد شابين أثناء تهريب مجموعة من الجنود المنشقين إثرَ اشتباك بين الجنود المنشقين وجنود الأسد , وتم تأمين أكثر من 76 جندي منشق خارج المدينة .

سيطرة داعش على تدمر

في متصف شهر أيار مايو 2015، سيطر تنظيم داعش الإرهابي وبدون سابق إنذار على المدينة، وسط ذهول الأهالي من عدم دفاع النظام وجنوده المقدرين بنحو 3500 مقاتل عن المدينة، وسلموا المدينة للتنظيم على طبق من ذهب، وبدأ التنظيم حينها ممارساته وأساليبه الترغيبية والترهيبية على أهالي المدينة وخصوصاً فئة الشباب بهدف الاستقطاب، وساهم التنظيم بتهجير سكان المدينة بنسبة كبيرة نتيجة القمع والتضييق على سكانها.

كما قام عناصر التنظيم دون أي مبالاة بالتاريخ والحضارة، بتدمير معظم معالم تدمر الأثرية والتاريخية.

استعادة النظام والميليشيات الأجنبية للمدينة

تفاوتت سيطرة النظام السوري والميليشيات الإيرانية على المدينة، بين عامي 2016/2017، وعاثت في تلك الفترات مجموعات الجيش والميليشيات، فساداً وخراباً في المدينة، فكان التعفيش والانتقام هدفهم الأول.

تدمر اليوم

يعيش في مدينة تدمر اليوم نسبة لا تزيد عن 5 % من سكانها، فمراحل التهجير التي مرت على المدينة بين عامي 2015/2017، سهمات بتفريغ المدينة من سكانها نتيجة القمع والخراب والإرهاب من النظام السوري وتنظيم الدولة، وِشُتت سكان تدمر بين مخيم الركبان الصحراوي والشمال السوري وتركيا والدول الأوروبية، بينما فضل عدد من سكان المدينة البقاء في مناطق النظام السوري في وظائفهم لتأمين لقمة عيشهم.

تعليق