بظروف سيئة.. كلية “البتروكيميا” بحمص مخيم إجباري لمهجري الركبان

حوَّل النظام السوري كلية الهندسة الكيميائية والبترولية (البتروكيميا) في حي دير بعلبة في مدينة حمص إلى ما يشبه الـ “سجن الجماعي” تحت اسم “مركز إيواء”، وُضِع فيه مهجري مخيَّم الركبان المغادرين منه عام 2019، حيث تقدر أعدادهم الحالية بـ900 عائلة.  

 
يعاني مهجّرو المخيم في المركز مأساةً وصفوها بأنها أقسى من تلك التي عاشوها بالقرب من المثلث الحدودي مع العراق والأردن. 
 
شهادات كثيرة تتحدث عن سوق عدد ليس بالقليل من شباب ريف حمص للخدمة الإلزامية وخدمة الاحتياط في صفوف قوات النظام، إلى جانب عودة بعض الأسر من أهالي مدينتي القريتين ومهين إلى منازلهم بعد دفعهم مبالغ متفاوتة للمتنفذين من القوات الأمنية تجاوزت المليون ليرة سورية مقابل خروج العائلة الواحدة.
 
وذلك بعد أن قضوا إجباريا عاما كاملا في مراكز الإيواء بذريعة فحص سلوكهم ومراقبة تصرفاتهم ضمن مدارس في حي القصور والبياضة وكلية البتروكيميا في دير بعلبة في محافظة حمص. أخليت فيما بعد مدرستين في البياضة و القصور من المهجرين، ونقل ما تبقى منهم للإقامة في البتروكيميا.
 
 بقي أهالي تدمر والسخنة محتجزين إلى اليوم في مركز إيواء الكلّية بسبب استيلاء فصائل النفوذ الإيراني على منازلهم وممتلكاتهم.


 
الخروج بإجازة محدودة!

تفرض هناك تعليمات صارمة تحدُّ من حركة المهجرين داخل وخارج المأوى، فهم معزولون عن العالم الخارجي تحت حراسة أمنية مشددة. فلا دخول أو خروج إلا للحاجات الضرورية كالطبابة الطارئة أو شراء الأدوية أو بسبب عمل بعض الأشخاص، مقابل حجز عوائلهم من قبل الأمن لضمان العودة.

يحصلون على إذن الخروج بعد إجراءات معقدة تبدأ بتقديم طلب وانتظار الرد عليه بموافقة مشروطة بمدة زمنية. بينما ينتظرهم تفتيش دقيق عند العودة لدخول مركز الإيواء عبر حاجزان خارج المبنى وداخلهُ، وفي حال تأخر أحدهم عن توقيت العودة تتم مساءلته وسجنه داخل المركز ومنعه من الخروج ثانية لمدة زمنية طويلة، كما يتعرض الرجال في بعض الأحيان للضرب المبرح والإهانات بين الحين والآخر.
 
 قتل شابان تدمريان من عائلة “عبّارة” أثناء محاولتهما الهروب من مركز الإيواء في حي دير بعلبة حيث أطلق عناصر المخابرات النار عليهما في 14 نيسان 2019.

بتول.ي، سيدة من ريف حمص الشرقي توفي زوجها أثناء الحرب، تتحدث لـ”روزنة” أنها خرجت من ذلك السجن، بعد أن دفعت مبلغ 700 ألف حصلت عليه ببيع آخر قطعةٍ من مصاغها الذهبي، للخروج مع أطفالها.
 
وتضيف “الحياة داخل إيواء البتروكيميا شبهُ معدومة رغم إشراف الهلال الأحمر عليه، لكنَّه إشراف محدود، كنا نتعرض للتحرش من قبل عناصر الأمن، وفي بعض الأحيان للضرب، والوصف بألفاظ نابية لكل من يخالف أوامرهم؛ كنت كما باقي النساء نعيش حياة الخوف من بطش عناصر المخابرات الجوية الذين أحكموا علينا الخناق، وبخاصة في العام الماضي بحجِّة جائحة كورنا، حيث  احتُجزَ الجميع لمدة ثلاثة أشهرٍ متتالية لم يخرج خلالها أحد، في ظل انعدام الخدمات الطبية ومواد التعقيم، إذ اقتصرت زيارات النقطة الطبية الجوالة التابعة للهلال الأحمر على زيارة في كلّ شهر بعد أن كانت الزيارة أسبوعية”.
 
كذلك يعاني مركز الإيواء من ضعف شديد في الخدمات، فالمياه قليلة تتوزع على تجمع ما لا يقل عن  ألفي شخص في مكان واحد، أما الكهرباء فهي في أسوأ أحوالها على مستوى المحافظة.
 
سليمان أبو كامل، رجلٌ في الستين من عمره، من مدينة القريتين (ريف حمص الشرقي) وهو أحد الخارجين من مركز الإيواء أيضا، يقول “خرجت مع عائلتي بكفالة أحد المتنفذين التابع للمخابرات الجوية، بعد أن دفعت له مليون ليرة سورية، لم يكن بإرادتي أن أكون بمركز الإيواء”.

يؤكد أيضا أن “الوضع من سيئ إلى أسوأ على المستوى الخدمي والصحي هناك، يغتسلون كل 10 أيام  بسبب انقطاع المياه، ناهيك عن مياه الصرف الصحي التي تغمر الحمامات بحكم الأعطال المتكررة. أما بالنسبة للكهرباء فقد كانت تنقطع لأيام بحجة الأعطال، وإذا قاموا بوصل التيار فإن المدة لا تتجاوز الثلاث ساعات في اليوم كله، والأوضاع أكثر سوءا في فصل الشتاء. تناقصت أيضا مادة الخبز بشكلٍ كبير”.  

ورغم أن معظم قاطني مركز إيواء كلية “البتروكيميا” ينحدرون من مناطق تحت سيطرة قوات النظام، إضافة إلى الدراسات الأمنية المتكررة عن كل شخص منهم، إلا أن عناصر النظام يرفضون الإفراج عن أي منهم إلا بعد دفعه لمبلغ مالي.
 
تقدر الأعداد التي خرجت من المخيم آنذاك بحوالي 13500 شخص أكثرهم من النساء والأطفال، حيث تناقصت أعداد العائدين في العام الماضي إلى أن اختفت في العام الحالي. 
 
اعتقل النظام أكثر من 133 شخصا آنذاك، رغم تسوية أوضاعهم في مركز التسوية بفرع الأمن العسكري “فرع البادية” (تدمر)، وتمت إحالتهم إلى محاكم الإرهاب، ومنها إلى سجن صيدنايا.
 
‏يذكر أنه بتاريخ 29 كانون الأول 2012 تمركزت قوات النظام على المبنى بعد اقتحام الحي وتهجير أهالي المنطقة، وتحويل كلية البتروكيميا، إلى مقر لعناصر الأمن يستخدم للتعذيب والسجن المؤقت.

تعليق