
إن دراسة المدافن والصروح الجنائزية في تدمر يمكن أن تعطينا صورة شاملة عن المجتمع التدمري، وذلك وفق مبدأ أن مدينة الموتى هي انعكاس لمدينة الأحياء. فهنا يمكننا أن نرى كيف كان أعيان تدمر يستفيدون من هذه الصروح بل والكتابات المرتبطة بالدفن من أجل إظهار سلطتهم وقوتهم وتأثيرهم. ففي المدافن الأرضية مثلاً نلاحظ اختلاطاً أكبر لفئات المجتمع. في حين ننتقل مع المدافن البرجية ثم مع المعابد المدافن إلى أشكال أكثر خصوصية وإلى مجموعات اجتماعية أكثر تحديداً. ولا يمكن أن ندرك أهمية المدافن التدمرية دون أن نحيط في نظرة إجمالية إنما معمقة، الأمر الذي يحتاج إلى جهد الزيارة والدراسة على حد سواء، بالتوزع الجغرافي والطبوغرافي لها، لكي نفهم الطريقة التي توزعت فيها المقابر الأربع التي تحيط بالمدينة.
حاول الأعيان في تدمر أن يميزوا تأثيرهم على المجتمع عبر وسائل عديدة. وكان منها مثلاً استخدام اليونانية أو الآرامية، أو الجمع بينهما، كما واستخدام صيغ جنائزية وعمارة مستلهمة من العمارة اليونانية، وهو أمر يمكن تفسيره بأسباب ثقافية (إرادة الاندماج في مجتمع النخبة أو تشكيل مجتمع النخبة). وبشكل عام، من المهم أن نلاحظ الوسائل التي كان يستخدمها التدمريون من أعيان وتجار وأصحاب نفوذ ممن شكلوا الطبقات الاجتماعية الرفيعة في المدينة لكي نستطيع تمييز الصروح الجنائزية الخاصة بهم عن المدافن الأخرى لبقية طبقات المجتمع، وذلك في مرحلة كان الازدهار الاقتصادي في تدمر قد وصل إلى حد أنه عمم الغنى في مجمل المجتمع ووسع التنافس بين سكان هذه الواحة.
بتصرف وإضافة عن كتاب جان باتيست يون حول أعيان تدمر.
الصورة من مدفن أتنتان ابن زبدي، وهو مدفن أرضي، من أرشيف المركز الفرنسي لآثار الشرق الأدنى