المحرقة السورية.. نظرة إلى الداخل .. لماذا غُيِّبَ السوريون!؟

إنّ من ينظر إلى اجتماع لوزان سيجد أنّ أطرافه عربية وأجنبية، أما أصحاب القضية فهم غائبون، أو مُغيَّبون..!
وهذه ليست أوّل مرة، فقد غُيّبوا مرات كثيرة من قبل، حتى أصبحت العادة المـُعتادة أن يكونوا مُغَيَّبين..!
والسؤال الآن: لماذا غُيِّبَ السوريون!؟
الجواب باختصار شديد: إنّهم أضاعوا ذواتهم، فوجدوها في العالم الخارجي..!
وهنا لا بدّ أن نجيب عن سؤالين اثنين:
كيف أضاع السوريون ذواتهم!؟
وكيف يصنع، وسيصنع بهم العالمُ الخارجي؟
أما بالنسبة للسوريين، فيشمل الضياع النظام والمعارضة:
أـ النظام السوري: ظنّ النظام السوري أنّه قادر على مجابهة السوريين الثائرين، وأنّه بتحويل الثورة إلى العنف المسلّح، سيربح في النتيجة؛ ولذلك أسهم بشكل مباشر على صناعة العنف المسلّح، وأسهم بتكوين الفكر التكفيري في سوريا بطرق مختلفة، بات يعرفها السوريون من دون أيّ لبس أو غموض..
والنظام عنده تجربة سابقة في العنف، ففي الثمانينيات خاض تجربة العنف مع الإخوان المسلمين، واستطاع أن يحقّق خلال خمس سنوات نصراً كبيراً، كلّف سوريا أكثر من 100 ألف قتيل، وعشرات الآلاف من المعتقلين، ومئات الآلاف من المهجّرين، وكانت النتيجة النهائية تثبيت نظام الحكم بشكل يصعب معه حتى مجرّد التفكير بثورة على نظام الحكم..
لكنّ النظام أخطأ كثيراً عندما قاس عام 1979م بعام 2011م، فالمعطيات التاريخية مختلفة في الفترتين، ومن ثم فنحن في عالمين مختلفين.. هذا جعل النّظام يضيّع ذاته، ويدفعه لضياع سوريا بأثرها..!
ب- الثائرون السوريون: قامت الثورة في سوريا بشكل عفوي، وكانت شرارتها أطفالاً صغاراً، ثمّ عمّت المظاهرات سوريا، وبدأ التسليح في الثورة، كردّة فعل على مجازر النظام المفتعلة، وبدأ تشكيل الجماعات المسلّحة المختلفة، وبدأ العنف في سوريا يزداد بشكل يومي.. وبدأ الثوار يحققون الانتصارات حتى سيطروا على ما يزيد على 70% من مساحة سوريا، ثمّ بدأ مسلسل الخسائر، لكنّ الثورة المسلّحة أخطأت في النقاط الآتية:
1. الخطأ القاتل في الجماعات المسلّحة هو تفرّقها وتناحرها: فالعمل العسكري في سوريا ليس موحّداً؛ بل هناك جماعات مختلفة، فمن تنظيم القاعدة المتمثّل بتنظيم الدولة الإسلامية، وجبهة النصرة، وجند الأقصى، إلى المعتدلين، إلى الجيش الحر، وجميع هذه الفصائل من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، لها إيديولوجيات لا تتخلّى عنها مهما كانت الأثمان، ومن ثم فقد يستحيل توحيدها ضمن جيش واحد.
2. ربطت الجماعات المسلّحة نفسَها بالعالم الخارجي من حيث لا تشعر، حتى غدت الآن لا تستطيع الحراك من دون العالم الخارجي، فالمال خارجي، والتسليح خارجي، والإملاءات خارجية؛ بل إنّ العالم الخارجي ساعد في عدم وحدتها، إذ كلّ دولة تتولى فصيلاً معيّناً من حيث جميع أنواع الدعم، بحيث يكون هذا الفصيل ذراعاً مستقبلياً لها في سوريا، وهذه الدول مصالحها مختلفة، مما زاد من اختلاف الفصائل.
3. المعارضة السياسية السورية، كذلك هي معارضات متناقضة، وأجنداتها هي أجندات الدول التي تدعمها، فغدت الثورة السورية من دون جسم سياسي موحد، ومن دون جسم عسكري موحد، وكلا الجسمين مرتبطان بالعالم الخارجي.
فكانت النتيجة الطبيعية هي ضياع الثائرين أو المعارضين لذواتهم، وتسليم أمرهم لغيرهم..!
إذن النتيجة الواحدة بالنسبة للنظام السوري أو الثائرين هي أنّ كلا الطرفين سلّم أوراق أحلامه واعتماده للعالم الخارجي، فالنظام السوري في الملعب الروسي والإيراني، والثائرون في ملعب أمريكا وحلفائها.
وهذا الواقع ينقلنا إلى الجواب عن السؤال الثاني: كيف يصنع وسيصنع بهم العالم الخارجي!؟
أ- ما يصنعه الآن:
بالحقيقة ما يصنعه العالم الخارجي هو دمار سوريا بكلّ ما فيها، فإلى الآن: 500 ألف قتيل، و1 مليون جريح ومعاق، و4 ملايين منزل مدمّر بشكل جزئي أو كلي، و8 ملايين نازح في الداخل السوري، و7 ملايين لاجئ، و11 ألفاً من المدارس المدمّرة، و200 مستشفى مدمّر، وتدمير قطاع النفط، وخراب قطاع الكهرباء، وتدمير القطاع الصناعي، و85% من الشعب السوري دون خط الفقر، ونصف هذه النسبة ضمن الفقر المدقع، و3 ملايين طفل خارج مؤسسات التعليم.
وهذا الدمار يأتي بأيدي السوريين من الطرفين، وخاصة النظام السوري، وبأيدي الروس والإيرانيين وحزب الله والمليشيات العراقية وبأيدي دول التحالف.
والحقيقة التي لا خلاف عليها هي أنّ الأطراف الدولية تساعد الطرفين من أجل إطالة زمن حرق سوريا، فلا تسمح لطرف أن يحقق نصراً عسكرياً حاسماً على الآخر؛ كي تنتهي أزمة سوريا..
ب- ما سيصنعه العالم في سوريا:
ما دام السوريون، نظاماً ومعارضة، مسلّمين أنفسَهم وبلدهم للعالم الخارجي، فإنّ حلّ المسألة السورية سيكون بأيدي العالم الخارجي، وبما يخدم مصالح العالم الخارجي، والعالم الخارجي يريد مزيداً من الخراب لسوريا، وبعد أن يحرق جميع أطراف سوريا، ولو استمر الحريق لعشر سنين قادمة، يضع لسوريا أحد السيناريوهات الآتية:
1- دولة مقسّمة تُرضي طموحات “إسرائيل”.
2- دولة فيدرالية غير مستقرّة، تكون بأيّة لحظة جاهزة للتقسيم.
3- دولة موحّدة رخوة: أي ضعيفة تتنازعها دوماً الصراعات الطائفية والعرقية، ولا مانع أن تكون دولة على الطريقة اللبنانية أو العراقية.. بحيث تكون شروط تخلّف وعدم استقرار هذه الدولة موجودة في داخلها دوماً..
ومن حيث النتيجة النهائية نقول: إنّ السوريين أنفسهم- نظاماً ومعارضة- هم السبب الجوهري لدمار سوريا وحربها الأهلية التي لا أمل في نهايتها في وقت قريب؛ لأنّهم سلّموا مصيرهم لغيرهم، وجعلوا الغير وسيلة لقتلهم ودمارهم.. والأمّة التي تُسلّم مصيرَها لغيرها هي أمّة أضاعت ذاتها، وحكمت على مستقبلها بالضياع..!
لا عتب على العالم الخارجي، فهو عالم يسير لخدمة مصالحه، لكنّ العار والغبار على أمّة أضاعت مصالحها..!
فهل يعتبر السوريون قبل فوات الأوان!؟

 

أحمد الراغب – الخليج اون لاين


تعليق