من أصل 9 سنوات في سجون الأسد.. “سرحان” يستعرض شريط الجحيم في “تدمر”

رغم مرور زهاء 40 عاماً على تجربة اعتقاله التي استمرت 9 سنوات بينها 40 يوما، في سجن تدمر العسكري لا يزال المهندس الزراعي “عبد القادر سرحان” يتذكر تفاصيل لا تُنسى في تجربته المريرة، وأولها حالات الإعدام الجماعية التي كانت تنفذ بالمئات من المعتقلين وتُنقل جثثهم بسيارات “قلاب” مغطّاة لتدفن في منطقة قريبة من السجن تُعرف باسم “وادي عويضة” لتدفن هناك بشكل جماعي بواسطة “تركس” دون أدنى مراعاة لحرمة الجثث.
وأفاد الكثير ممن تم اعتقالهم في هذا السجن الجحيمي أن ما لا يقل عن 20 ألف سجين تم إعدامهم في الباحة السادسة من السجن سيئ الصيت.
ولد “عبد القادر سرحان” في بلدة “حسين” التابعة لجبل الزاوية عام 1956 وأنهى دراسة الهندسة الزراعية عام 1980 والتحق بخدمة العلم وبعد أن أنهى الدورة في 16/ 9/ 1981 وفور مجيئه إلى أهله لقضاء فترة الإجازة تم اعتقاله مع شقيقه واقتيادهما إلى فرع المخابرات العسكرية في إدلب للتحقيق معه بتهمة الانتماء لجماعة “الإخوان المسلمين” المحظورة.
وبقي -كما يروي لـ”زمان الوصل” بحدود 40 يوماً في الفرع المذكور ليتم ترحيله بعدها إلى الفرع 248 للأمن العسكري في دمشق، وأُعيد التحقيق معه من جديد، وكانت ساعات التحقيق -كما يقول- عصيبة ورهيبة- بدأت بالتعذيب في إدلب على بساط الريح والضرب بالخيزرانة والتعذيب بالكهرباء ونزع الجلد عن باطن القدم.
بعد 40 يوماً تم ترحيل المعتقل الإدلبي إلى فرع المخابرات العسكرية بدمشق للتحقيق معه فأنكر ما تم انتزاعه من اعترافات بالتعذيب والقسوة، وأعيد التحقيق معه من جديد ليتعرض أيضاً للتعذيب بالكبل الرباعي، وبعد أسبوعين تم ترحيله إلى سجن تدمر بتاريخ 29/ 12/ 1981.
كانت ليلة دخول سرحان إلى سجن تدمر ماطرة وباردة للغاية وتم وضعه مع رفاقه في المهجع بحالة وقوف ووجوهم إلى الحائط وعلى رجل واحدة، فيما كانت أيديهم إلى الأعلى حتى أعياهم التعب –حسب وصفه- واستمر هذا الحال إلى صباح اليوم التالي، حيث تم نقله إلى قاعة “الاستقبال”.
ومضى محدثنا واصفاً أحد طرق التعذيب التي تعرض لها مع رفاق المهجع وهي التعذيب بالدولاب، حيث يتم إدخال المعتقل فيه وقدماه مربوطتان وكان عدد من عناصر السجن يتناوبون على ضربه بعصاة تُسمى “البدة” كانت قد أُدخلت حديثاً كوسيلة تعذيب في السجن، إضافة إلى الكرباج هو عبارة عن قطع بلاستيكية بعرض ثلاث أصابع وسماكة 2 سم وطول 80 سم يتم انتزاعها من قشاط دبابة ويتناوب عسكريان أو ثلاثة على ضرب قدمي المعتقل وظهره ورأسه بها.
بقي “سرحان” في المهجع رقم 13 لمدة 6 أشهر مع 69 معتقلاً آخر، وكان يُعطى لكل معتقل بطانيتان عسكريتان من النوع الرث التي لم يبق منها إلا الخيوط الأساسية، وعازل لا يتجاوز عرضه 10 سم يكفي لأن ينام المعتقل على جنبه وليس على ظهره.
في كانون الأول دبسمبر من عام 1981 كان الطقس بارداً جداً في مناخ تدمر الصحراوي القارص شتاء، ولم يكن لديه مع رفاقه ما يلبسونه بعد أن صادر السجانون ثيابهم، وآنذاك –كما يقول- ازدادت أمراض المعتقلين في ظل انعدام الطبابة والعلاج، وأصيب الكثيرون منهم جرّاء ذلك بالعديد من الأمراض، ومنها السل بسبب سوء الطعام والرطوبة، حيث أُصيب 43 معتقلاً في المهجع بهذا المرض الخطير، كما انتشر القمل والجرب فيما بعد، ومن ثم مرض الكوليرا، فيما توفي كثيرون بالسرطان والفشل الكلوي.
بعد ستة أشهر تم توزيع نزلاء المهجع إلى عدة مهاجع أخرى ليتم جلب دفعات جديدة من المعتقلين، وتم نقل سرحان -كما يقول- إلى المهجع 4 الذي وضع فيه 222 معتقلاً، فأصبح الوضع أفضل نسبياً من حيث التعذيب، وتولى المعتقلون القدامى الاهتمام بالقادمين الجدد، ولكن الطعام قلّ نظراً لزيادة عدد المعتقلين، حيث كانت تُوزّع على كل معتقل ثلاث حبات زيتون ونصف كاس من الشاي و(صمونة) من النوع العسكري وكأس رز أو برغل صباح كل يوم.
وروى محدثنا أن كل دفعة من معتقلي تدمر العسكري آنذاك كانت تُحاكَم بمفردها وفي كل أسبوع كانت هناك محكمة يشرف عليها القاضي “سليمان الخطيب” وهو ضابط برتبة رائد من قرية “عين الجاجة” كان يحاكم المعتقلين بشكل صوري وخلال مدة لا تتجاوز الدقيقتين، وكان المعتقل يدخل إليه بعد أن يكون قد تعرض لتعذيب شديد، ويداه مقيدتان إلى الخلف، وعيناه مغمضتان بعصابة قماشية ورأسه منحنٍ إلى الأسفل، وكانت الأقوال المدونة في إضبارة المعتقل منتزعة منه تحت التعذيب ولا تلامس الحقيقة، وأردف سرحان أن الأحكام التي تصدر عن المحكمة الصورية كانت غير معروفة إن كانت إعداماً أو مؤبداً أم غيرها من الأحكام، وكانت أغلب الأحكام تستند إلى القانون 49 التعسفي الذي أصدره “حافظ الأسد” وينص على إعدام كل من له علاقة بالإخوان المسلمين.
ولفت ابن جبل الزاوية إلى أن إعدامات سجن تدمر كانت تجري في الباحة السادسة، مشيراً إلى أن سجاني المعتقل كانوا يعلقون 10 معتقلين على أعواد المشانق، وبعد تنفيذ الإعدام يأتي الطبيب ليتأكد من أن المعدومين فارقوا الحياة ويتم إنزال جثثهم وتعبئتها في سيارة “قلاب” وأخذها إلى “وادي عويضة” لتدفن بواسطة تركس بشكل جماعي.
واستعاد المعتقل السابق قصة مؤلمة لأحد المعتقلين كان شاهداً عليها في المهجع 23 الذي انتقل إليه فيما بعد إذا كان المعتقل ويُدعى “أحمد الزير” من بانياس يجلس في الباحة وسط عدد من المعتقلين ورأسه إلى الأسفل وعندما رآه أحد السجانين أمره برفع رأسه وحينما تلكأ وجّه له ضربة بكف يده إلى حنجرته فانكسرت، وتوفي المعتقل على الفور، وبعد أن تم تكفينه وإخراجه ليسلّم لذويه كتبوا في التقرير الطبي أنه مات بجلطة دماغية.

في 15 /3/ 1984 حوكم “سرحان” بتهمة كتم معلومات وكان حكمها عادة 3 سنوات ولكن اعتقاله استمر لتسع سنوات ليفرج عنه عام 1990 من الفرع 248 بدمشق وأجبر -كما يقول- على معاودة خدمته الإلزامية لينهيها بعد سنة و3 أشهر وعاد بعدها ليمارس حياته المهنية كمهندس زراعي قبل أن يهاجر إلى تركيا.