الثورة والمعارضة والمربع الأول

لقد عدنا إلى المربع الأول في الثورتين المعارضتين، ثورة المعارضة الخارجية وثورة الفيسبوك.. واللتان من المفترض أن تكونا متلازمتين مع الثورة الأصل، ثورة الكرامة والحرية والمواطنة، التي قامت في سوريا وما زالت في طريقها إلى وقت الحصاد الذي باتت أفقه اليوم ضبابية اكثر من أي وقت.

 

المربع الأول المعارضاتي، والذي بدأ بعد انقضاء فترة الشك والتي لم تزُل إلا بتعمق المجازر في درعا، وبعد أن ساعدت العصابة الأسدية في وضوح رؤية هلال الثورة بعد ان رفض ما كان يأمله الكثر في صفوف المعارضة والمؤيدين على السواء، وهو ان يكون زعيم العصابة (منفرداً، أو بضغط دفعي من عصابته)ذكيا بالحد الادنى ليعلم ان ما يجري في سوريا لن يتوقف مده ومدته إلا بالرضوخ للحد المطلبي الادنى، وعلى الاقل لو امتلك ذرة من الدراية لكان حل القصة ببوس الشوارب، ومنسفجاهات حوران المعروفة.

بدأ المربع الأول يتشكل خارجيا بعد ان وجد قسم كبير من المعارضاتية (لمتواجدين في الخارج تهجيراً او هروباً) شعبا قرر أن يثور ويتثقف ثوريا.. بالثقافة المتعددة بتعدد المعارضة بين اليسار واليمين والعقائدية الفكرية، ولكن فات هذه المعارضة مسالتين: الأولى هي أن الشعب ثار وليس في نيته أن يتثقف ثوريا لأن الثورة التي فجرها هذا الشعب بعيدة كل البعد عن النظريات والمدارس السياسية.. إنها ثورة فطرية نبعت من أن الإنسان يبحث عن كرامته ولقمة خبزه وحريته ومواطنته وهذه الأشياء بسيطة المعاني ولا تحتاج إلى الكثير من التوصيف..

المسألة الثانية وهي الاهم أن الثقافة التي حلمت معارضتنا أن يسعى اليها الشعب السوري الثائرهي ثقافة يطغو عليها (برأيي المتواضع) غياب العمق الكافي في الرؤية والآلية للوضع السوري، والسبب معروف، ونرده دائما إلى سنينالبعث العجاف بكل شيء إلا في القمع والتسلط والقبضة الامنية.

لن نخوض كثيرا في التحاليل وتاريخ نشأة المعارضة السورية وتطورها، لنعد إلى ما لا اجد له تسمية توصيفيه غير اللمات المتعارضية والتعارضية والتي في غالبها يمكن ان نقسمها إلى ثلاثة مدارس مع التحفظ على دقة المصطلح!!!؟ وهي:
ـ المدرسة الاخوانية
ـ المدرسة اليسارية
ـ المدرسة الشخصاناتية.
و للشرح، فإن هذه المدرسة الأخيرة ليست بتيار منظم، وإنما شخصيات سورية برزت ربما لكونها سجنت أو كتبت أو تحدثت أو اصبحت عموما معروفة بفضل نعمة سهولة خروجها على وسائل الإعلام.

بالعودة إلى بداية الكلام فإن مدارسنا الثلاثة قررت بعمومها أن تلحق وتلتحق بالثورة وحقيقة ما لمسته أن الغالبية فهمت بأن الثورة قد تجاوزتهم ولا علاقة مباشرة لهم باندلاعها، ما خلا ما نسميه بالإبقاء على جذوة المعارضة والموقف الحاقد على النظام.

ـ المدرسة الإخوانية، والتي بحكم ما مر بها من ظروف لا تغب عن بال أحد، هي الاكثر تنظيماً في الخارج السوري، ولديها ما يمكن أن نسميه تجاوزا “لوبي إعلامي ومالي” يمكنه أن يفعل أي شيء في توجيه وربما احتواء سيناريوهات الثورة السورية أو على الأقل جزءاً منها، لكن مشكلة هذه المدرسة لم تنسى ما مر بها وركزت ربما دون ان تشعر على ان لحظة الانتقام لما عاشته بسبب هذا النظام قد حانت، على حد علمي، بالتالي النتيجة كانت غياب أي مشروع حقيقي متكامل للوطن عدا بعض البيانات والخطابات الاعلامية والتي تصب في لعبة استراتيجية السياسة.

ـ المدرسة اليسارية، والتي من المفترض أن تكون الأكثر تنظيما، أثبتت العكس بجدارة، وهذا تمثل في تشرذم وعدم اتفاق وسياسة إقصائية للغير ومحاولة فرض الرأي الأوحد، رأيها الذي تراه الحق والمناسب.

لن نخوض في تفاصيل نشأة وتطور هذه المدرسة في سوريا والتي يغلب عليها الاختراق الأمني وتشرد رموزها وسجنهم وتغييبهم، والأخطر ما نهج إليه قسم منها باتخاذه سياسة المحاباة، والخطأ في قراءة الواقع المحلي والإقليمي والدولي.

هذه المدرسة لم تستطع أن تطبق عموم أفكارها في محاولتها اللحاق بالثورة، وخاصةمسألة الحريات، والديمقراطية، وتقبل الآخر..

هذه الثلاثة من المبادئ والتي من المفترض أن تكون قد نشأت عليها عموما مدرستنا اليسارية السورية، غيبت بشكل كبيرفي خضم الانضمام النظري للثورة السورية، دون إغفال محاولة بعض رواد هذه المدرسة القيام بالعكس، لكن “التيار المضاد” كان أقوى.

نأتي إلى المدرسة الاخيرة، وهي المدرسة الشخصاناتية: وتلك لعبت ربما الدور الأكثر ضرراً على الثورة، كون روادها من المفترض أن يكونوا رموزا بكل ما تحمل الكلمة من معطيات، لكن المشكلة كمنت في طغيان الخلافات الشخصية بينهم، وكثر اتهامات التخوين، وادعاء كل شخص منهم انه الشخص المنقذ المنتظر، وصاحب الرؤية الصحيحة، ولذلك وببساطة مجردة لا يمكننا ان نضعهم الا في مدرسة عبادة الفرد والزعيم الأوحد، وبعبارة تسهل على الفهم، مدرسة الأسد بتسمية أخرى..!!.

    • المدارس الثلاث، لم تستطع في بداية الثورة أن تشكل واجهة سياسية خارجية فرضتها الظروف الداخلية والمطالب الدولية، والسبب انها لم تستطع ان تتحرر من دوائرها الضيقة (النظرة الفردية الشخصية أو الحزبية والعقائدية) لتصل إلى نظرة الوطن والهم الجماعي، رغم أن الجميع يتشدق بأن إسقاط النظام المافيوي الأسدي يشكل قاسماً مشتركاً يوحد الجميع..!! دون التطرق لمن نادى بالحل التحاوري..!!.

هذه المدارس لم تستطع أن تبني أقصى ما أمكن فعله (ما سمي بالمجلس الوطني السوري كبداية ثم اللائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة والأخير الحق به الحكومة الانتقالية) إلا بعد محاولات شتى، ومؤتمرات ولن نتجنى كثيرا إن أضفنا كلمة مؤامرات..

خرجت الينا هذا التشكيلات مبتورة الآليات والإمكانيات فاقدة بذلك إمكانية تقديم غطاء وواجهة سياسية حقيقية فاعلة للثورة السورية ، أو البديل الذي يتذرع المجتمع بغيابه لتبرير عدم الإسراع في الدفع كما يجب لإنهاء نظام الأسد.. والسبب يعود بالتأكيد إلى طريقة تشكيلها، وتسلط الافراد عليها، وربما الاملاءات الدولية..!!.

وها نحن اليوم نرجع للبدايات إلى نفس المربع (بعد أكثر من 61 شهراً من انطلاقة الثورة السورية):

تشكيل ممثليات للمعارضة لتخوض دهاليز التفاوض في جنيف يشكل عودة تقمصية للبدايات ليزيد إلى فوضى التشكيل حاملا جديدا يحمل صفة الجمع فبعد ان كنا نتحدث عن معارضة اصبح المصطلح معارضات كل منها يحاول اثبات شرعيته التمثيلية للشعب السوري والذي ربما أصبح غير مكترث لكل هذه الممثليات أو التمثيليات المملة مشاهدتها وتتبع أحداثها والسبب هو تكرار المَشاهد مع اختلاف الديكور.

 

محمد طه – باريس


تعليق