
هذا كله غير مفاجئ؛ ففلسفة تنظيم الدولة، في المحصلة، هي نقيض القيم التي ترتكز عليها المناشدة الإنسانية للأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش. إن عقيدة تنظيم الدولة تشمل التضامن مع مجتمع مسلم حصري، وطبقاً للتعريف الضيق لـ”المسلم” لدى التنظيم. إن النزعة الإنسانية العالمية لا تتطابق مع منظور تنظيم الدولة الإسلامية للعالم.
دُول أضعفت وتعاون دولي مفكك
لكن في أعماق الخطاب العدواني للافتتاحية وتحريضها على العنف، هناك بعض الحقيقة؛ فمن شبه المؤكد أن كوفيد–19 سيعطل الجهود الأمنية المحلية والتعاون الدولي في محاربة تنظيم الدولة، ما سيسمح للجهاديين بالتحضير على نحو أفضل لهجمات إرهابية وتصعيد حملات حرب العصابات على ساحات حرب في سائر أنحاء العالم.
من شبه المؤكد أن كوفيد-19 سيعيق الجهود الأمنية المحلية والتعاون الدولي لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية.
بطبيعة الحال، ليس الأمر كما لو أن تنظيم الدولة سيكشف الآن عن قدرة احتفظ بها على سبيل الاحتياط سابقاً. كما أشار توماس هيغهامر بعد مقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي والمتحدث الرسمي باسمه أبي الحسن المهاجر في العام 2019، فإن تنظيم الدولة والتنظيمات الشبيهة به “قد وصلت أصلاً إلى حدودها القصوى من حيث النوايا”. إنها ليست بحاجة لدافع خاص لارتكاب العنف؛ وبدلاً من ذلك، المهم هو قدراتها الكامنة والمجال الذي يُسمح لها بالعمل فيه. داخل هذا المجال، يمكن عادة التوقع أنها ستستخدم تلك القدرات إلى الحد الأقصى. ولهذا السبب فإن عمليات تنظيم الدولة لم تكن مشحونة بنوع من الرغبة بالانتقام بعد مقتل البغدادي وأبي الحسن، رغم أن التنظيم حاول الادعاء بأن هجماته المسلحة المعتادة كانت نوعاً من حملة “ثأر” عالمية. ورغم قطع رأس التنظيم، فإن قدرات الوحدات شبه المستقلة المكوِّنة له حول العالم لم تتغير. لقد استمرت في عملها المهلك كالمعتاد.
بهذا المعنى، فإن تحريض الافتتاحية على العنف لا يشكل خبراً جديداً؛ فبالنسبة لتنظيم الدولة، الوقت دائماً مناسب للعنف. المهم فعلاً هو مدى قدرة التنظيم وما يسمح به سياقه العملياتي. إذا أصبح ذلك السياق أكثر مؤاتاة – كما تتوقع الافتتاحية – سيكون تنظيم الدولة أكثر قدرة على ترتيب وتنفيذ هجمات مركبة تستخدم موارد مكثفة، تلحق أضراراً بشرية كبيرة.
كانت هذه هي الرسالة الجوهرية لتقرير مجموعة الأزمات في العام 2016، استغلال الفوضى: القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية؛ أي أن نمو التنظيمات الجهادية في السنوات الأخيرة كان في معظم الأحيان نتيجة الحرب والفوضى وليس سببها الرئيسي. فتنظيم الدولة الإسلامية، على سبيل المثال، أصبح تهديداً عالمياً بشكل أساسي باستغلاله الصراع المحلي وفشل الدولة في سورية، لينطلق من ثم ويجتاح العراق ويحاول تصدير نموذجه عالمياً.
على العكس من ذلك، فإن القوى السورية والعراقية المحلية وشركاءها الدوليين تمكنت من هزيمة تنظيم الدولة عبر الجهود المشتركة ووحدة الهدف، ولو بشكل مؤقت وغير مكتمل. منذ ذلك الحين، اعتمد منع التنظيم من العودة إلى الظهور في كلا البلدين على استمرار التعاون الدولي وعلى تجنب حدوث صراع جديد مدمر يخفف الضغط على ما تبقى من مسلحي التنظيم.
لنأخذ مثلاً حالة العراق، المركز الأصلي لما أصبح حملة تنظيم الدولة العابرة للحدود. هناك، كانت القوى المحلية هي التي قامت بمعظم القتال والتضحية بأرواحهم ضد تنظيم الدولة على الأرض. لكن تلك القوى العراقية اعتمدت أيضاً على التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لتقديم قدرات تقنية أساسية مثل الدعم الجوي والاستخباري، والمراقبة والاستطلاع لتتمكن الاستمرار في حربها ضد عناصر التنظيم. لكن مؤخراً، هددت التوترات الأوسع بين الولايات المتحدة وإيران استمرارية دعم التحالف للعمليات العراقية ضد التنظيم، حيث أصبحت الولايات المتحدة والفصائل شبه العسكرية الحليفة لإيران منخرطة في هجمات صاروخية وضربات جوية متبادلة. وقد منح ذلك العنف زخماً جديداً لجهود بعض الكتل السياسية العراقية للضغط على الحكومة لدفع الولايات المتحدة والقوى الأجنبية الأخرى للخروج من البلاد.
أضف إلى ذلك الآن كوفيد–19. لقد أعلن أعضاء التحالف، بمن فيهم بريطانيا، وفرنسا وإسبانيا جميعاً أنهم سيسحبون جنودهم من العراق، بسبب مخاطر الوباء وتوقف عمليات تدريب القوات العراقية لذلك السبب أيضاً. إذا تعرض دعم التحالف الدولي، الذي تَقوّض استقراره أصلاً بسبب التوترات الأمريكية – الإيرانية، للتهديد أيضاً من فيروس كورونا ونزعة الدول الأعضاء المفهومة لإعادة التموضع، فإن الدولة العراقية التي تصارع هي أيضاً مع تفشي الجائحة ستصارع على الأرجح لاحتواء مقاتلي تنظيم الدولة كذلك.
إن كوفيد–19 يهدد الآن التضامن والتعاون الدوليين اللذان كانا محوريين لمحاربة تنظيم الدولة في مناطق أخرى أيضاً مثل الساحل الأفريقي، وحوض بحيرة تشاد وأفغانستان، حيث حاولت القوى المحلية وشركاؤها الدوليون احتواء “ولايات” تنظيم الدولة. في غرب أفريقيا، حتمت عمليات التنظيم المتنقلة بسهولة عبر الحدود الوطنية في الساحل وحول بحيرة تشاد بذل جهود مشتركة لمواجهته من قبل الدول الإقليمية، بدعم من فرنسا، والولايات المتحدة ودول أخرى – رغم أن تلك الجهود لم تخضع دائماً وبشكل مفيد لاستراتيجية سياسية منسقة. من المرجح أن تجعل الجائحة هؤلاء المتمردين الذين يتمتعون بسرعة الحركة أكثر خطورة، بالنظر إلى أنها تبطئ وتضعف الحكومات والجيوش المحلية. إذا انهار التعاون بين الدول الإقليمية التي تواجه أزمات محلية في الصحة العامة، أو إذا دفع فيروس كورونا الشركاء إلى الانسحاب كما يبدو أن البعض يفعل في العراق، فإن التبعات يمكن أن تكون مكلفة.
يدرك تنظيم الدولة هذا الاحتمال، طبقاً لافتتاحيته؛ ويتوقع أن كوفيد–19 سيشغل أعداءه ويقسمهم؛ وبالتالي فإنه سيضعف قدرتهم واستعدادهم لـ “لمحاربة المجاهدين”، كدول منفردة أو بشكل جماعي.
إضافة إلى استجابة الصحة العامة المنسقة دولياً لتفشي كوفيد–19، حثت مجموعة الأزمات على إبقاء جهود السلام ومنع الصراع حية والمحافظة على القنوات الخلفية لإدارة مخاطر التصعيد في مناطق متوترة. وقد جادلت مجموعة الأزمات أنه يمكن لفيروس كورونا أن يشكل فرصة “لخفض التصعيد لأغراض إنسانية”، بين الولايات المتحدة وإيران بشكل خاص. لكن على الجانب الآخر، إذا عطلت هذه الجائحة التعاون الدولي القائم – أو إذا أدت إلى نشوء صراع جديد – فإن تنظيم الدولة الإسلامية سيستغل ذلك.
من المرجح أن يستفيد تنظيم الدولة في كل الأحوال، حيث يستنزف كوفيد–19 قوة أعدائه. وحتى لو انصب الاهتمام العالمي، عن حق، على الاستجابةللجائحة، فإنه ينبغي أن نحضر أنفسنا أيضاً لاحتمال أن يصبح العنف المحلي والإرهاب الدولي اللذان يمارسهما التنظيم أسوأ. إن تخفيف ذلك الضرر سيتطلب تعاوناً دولياً مستمراً لمواجهة تنظيم الدولة ودعماً لدول المواجهة التي عانت أكثر من غيرها على أيدي عدو تشكل أيديولوجيته الشوفينية غير المتسامحة العكس تماماً من ذلك النوع من النزعة الإنسانية الذي تتطلبه هذه اللحظة.
Internatsional Crisis Group