الأسد قلق من فتح موالین خطوطاً مع قاعدة حمیمیم… و«السید جواد» الإیراني

الشرق الأوسط
تسود حال شدیدة من الخوف أوساط الدمشقیین من استفحال سطوة موالین للنظام السوري مع اقتراب النظام من إحكام سیطرتھ الكاملة على دمشق، على غرار ما شھدتھ مدینة حلب أخیراً من جرائم، وسط اعتقاد بأن الأوامر التي أصدرھا بشار الأسد للحد من «مظاھر التشبیح» سیقتصر تنفیذھا على الشكلیات، لأن نفوذ «الشبیحة» خرج من نطاق سیطرتھ… وبدأ بعضھم بفتح خطوط مع قائد قاعدة حمیمیم الروسیة أو «السید جواد» الإیراني المسؤول عن المیلیشیات.
وسرت أنباء عن حالة انفلات غیر مسبوقة في حلب بعد أن استعادھا النظام بالكامل من المعارضة، نھایة العام الماضي، حیث تم تسجیل 48 حالة اغتصاب ارتكبھا مسلحون من اللجان الموالیة للنظام، و8 جرائم خطف و13 حالة قتل وأكثر 18 حالة سرقة، بحسب مصادر أھلیة.
وشھدت أحیاء دمشقیة في السنوات الخمس الماضیة جرائم قتل واغتصاب وخطف بغرض الفدیة وسرقة سیارات ومحلات تجاریة ومنازل. غالباً ما كانت تحصل وما زالت في إمكان سیطرة «الشبیحة»، وبعضھا بالقرب من إمكان وجود حواجز الجیش والقوى الأمنیة.
وأكثر ما بدا ازدیاد «مظاھر التشبیح» على الأفران وحواجز الشبیحة من خلال التشدد في إجراءات التفتیش بذریعة الدواعي الأمنیة، وتوجیھ كلمات نابیة للمواطنین. وقال لـ«الشرق الأوسط» أحد المواطنین، بعد أن انتظر لساعتین أمام أحد أفران دمشق القدیمة للحصول على ربطتي خبر (ثمن الربطة 50 لیرة سوریة): «استبشرنا خیراً بعد صدور الأمر، لكن الوضع یبدو أنھ یذھب إلى الأسوأ»، ذلك أن الأولویة في الحصول على المادة لـ«الشبیحة» الذین باتت مادة الخبز تشكل لھم تجارة مربحة على الأرصفة كون الربطة تباع بثلاثة أضعاف ما تباع في الفرن.
وكان بشار الأسد عَّبر خلال اجتماعھ مع الحكومة أخیراً عن انزعاجھ من إغلاق بعض المسؤولین للطرق لمرور مواكبھم، معتبراً أن ذلك «أمر غیر مقبول». وطالب الوزارات المعنیة «باتخاذ الإجراءات الرادعة والضروریة لوقف ھذه المظاھر».
وجاءت الحملة على «مظاھر التشبیح» بعد أسابیع من صدور قرار عن وزارة الدفاع في حكومة النظام قضى بإتلاف كل البطاقات الأمنیة باستثناء البطاقات الصادرة عن مكتب الأمن الوطني.
وتشكلت «لجان الدفاع الشعبي» مع بدایة الأحداث في سوریا في عام 2011 ،بدعم من إیران، لمساعدة النظام بكبح الحراك السلمي. و َض َّمت في صفوفھا العاطلین عن العمل والمتقاعدین ومتعاطي المخدرات وأصحاب السوابق. وتم تنظیمھا بعدة مسمیات منھا «قوات الدفاع الوطني» و«كتائب البعث» و«جمعیة البستان» وغیرھا، إضافة إلى استقدام میلیشیات إیرانیة وعراقیة ولبنانیة منھا میلیشیا «حزب الله».
وأصبح لاحقاً یطلق على متنسبي تلك اللجان لقب «الشبیحة» كونھم أصبحوا مصدراً للشؤم والخراب، حیث یحلون تحل المصائب على المدنیین أینما وِجدوا، وعلى خلفیة الجرائم والممارسات غیر الأخلاقیة التي یقومون بھا بحق الأھالي.

 

وبعد أكثر من ست سنوات من الحرب، برز في شكل واضح دور «الشبیحة» في مناطق قوات النظام، وباتت لھم الكلمة العلیا. وتقدر مصادر مطلعة عدد منتسبي تلك المیلیشیات بـ60 ألفاً، على حین تراجع تعداد جیش النظام إلى ما بین 60 إلى 70 ألفاً بعد أن كان قبل الثورة نحو 350 ألفاً.
واستطاع أغلبیة «الشبیحة» تكوین ثروات كبیرة نتیجة أعمال السلب والنھب والابتزاز وغیرھا، الأمر الذي یدل علیھ البذخ الیومي الذي یمارسھ ھؤلاء على حیاتھم بشكل یومي وامتلاك أحدھم لعدة سیارات فارھة، وأكثر من منزل، وھو ما رسخ تمایزاً طبقّیاً واجتماعّیاً، عبر ظھور ھذه الفئة الجدیدة «حدیثة النعمة» في مجتمع بات یعیش معظم أفراده تحت خط الفقر.
وتشھد شوارع دمشق انتشاراً كثیفاً لعناصر شرطة المرور والأمن الجنائي بھدف تطبیق أوامر الأسد، حیث یتم إیقاف كثیر من السیارات المخالفة، إما لوضعھا لاصقاً أسود على الزجاج یمنع رؤیة من بداخلھا أو لعدم وجود لوحات علیھا.
ولكن یلاَحظ حدوث جدل كبیر بین أصحاب تلك السیارات، الذین غالبا ما یكونون من «الشبیحة» وعناصر الشرطة والأمن، وانتھاء ذلك الجدل برفض أصحاب تلك السیارات إزالة اللاصق إلا القلیل منھم.
وبدأ النظام منذ یومین بإزالة حواجز تابعة لقواتھ الأمنیة وبعض المیلیشیات، مع الاحتفاظ بحواجز عسكریة تابعة للقیادة العامة لجیش النظام على المداخل والمخارج الرئیسیة، على أن تكون مدن دمشق وحمص وحماة واللاذقیة وطرطوس خالیة من الحواجز، بدایة الشھر المقبل، بحسب مصادر بدمشق.
ویشكك الأھالي بقدرة النظام على إزالة كثیر من الحواجز على مداخل مناطق وأحیاء في داخل وعلى أطراف العاصمة، مثل منطقة «مزة 86 «و«السومریة» و«حي التضامن»، لأن الشبیحة باتوا الحاكم الفعلي.
وقال أحدھم لـ«الشرق الأوسط» إن «السلطة والنفوذ اللامحدود الذي منحھ النظام لتلك المیلیشیات دفعھا للتمرد على النظام ذاتھ»، وھو الأمر الذي سبق أن حذر منھ كثیر من المراقبین، بأن السیطرة على تلك المیلیشیات في المستقبل ستكون صعبة جداً.
ویتداول كثیر من المقربین من عناصر تلك المیلیشیات أحادیث عن رفض كثیر منھم الذھاب إلى جبھات القتال، بذریعة أنھم انتسبوا إلیھا «للدفاع عن أحیائھم فقط».
ولا یقتصر الأمر على ذلك بل تعداه إلى منع ھذه المیلیشیات عناصر الأجھزة الأمنیة من الدخول إلى تلك المناطق، في حال كانوا في مھمة لجلب مطلوبین، ولوحظ حصول اشتباكات عنیفة لعدة مرات بین الجانبین على أطراف تلك الأحیاء والمناطق، وسقوط قتلى من كلا الطرفین.
ووفق شاھد عیان، فإن عدداً من عناصر المیلیشیات أثخنوا جابي مؤسسة الكھرباء ضرباً لدى توجیھھ إنذارات لأصحاب المنازل المتخلفین عن دفع الفواتیر في إحدى تلك المناطق.
في المقابل، یشیر شھود عیان إلى أن النظام تمَّكن من فرض سلطتھ على حاجز منطقة عش الورور شمال دمشق، حیث نشر عناصر من «الفرقة الرابعة»، وأزاح الشبیحة الذین أذاقوا الأھالي، خصوصاً من حي برزة وریف دمشق الشمالي المرارة جراء عملیات الخطف التي كانوا یمارسونھا.
ویرى مراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أن حملة النظام على «مظاھر التشبیح» قد تكون ناجمة عن عدة أسباب «أولھا أن روسیا دفعت الأسد إلى ذلك من أجل زیادة شعبیتھ تمھیداً للانتخابات مقبلة، بعد التفاھم على إجرائھا مع الأمیركیین، والثاني: قلق الأسد من احتمال وقوع مواجھات ما بین الشبیحة والقوات الروسیة والإیرانیة التي ستنتشر في محیط دمشق، بحسب ما سربت الرئاسة التركیة، والثالث أن روسیا وإیران ضغطوا على الأسد لقمع تجاوزات الشبیحة الذین باتوا تجار سلاح یزودون بھ التنظیمات الإرھابیة والمعارضة، وھذا ما دفع الأسد إلى تكلیف المخابرات الجویة أوائل العام الحالي بملاحقة مظاھر السلاح ومتابعتھا، علما بأن ھذا الأمر من اختصاص الأمن الجنائي التابع لوزارة الداخلیة».
ووفق ھؤلاء المراقبین، فإن بین الأسباب أن «زعماء المیلیشیات تحولوا إلى خطر محتمل على سلطة الأسد، خصوصاً أن بعضھم فتح خطوط اتصال مع الروس في قاعدة حمیمیم، ومع الإیرانیین عبر قائد القوات الإیرانیة في سوریا سید جواد». ویقول أحدھم: «السید جواد ھو بشار الأسد في سوریا».
وُیقدر راتب عنصر المیلیشیات بین 30 إلى 60 ألف لیرة سوریة شھرّیاً (الدولار الأمیركي یساوي نحو 550 لیرة)، وأغلبھا تدفعھا إیران، بینما تصل رواتب عناصر المیلیشیات الإیرانیة والعراقیة واللبنانیة إلى ما بین 200 إلى 800 دولار. وبحسب المراقبین، فإن ولاء معظم المیلیشیات السوریة بات لإیران على غرار «حزب الله» اللبناني وھو ما یقلق الأسد.
ویضیف أحدھم: «الشیخ المبارك زعیم عشائري كبیر في حماة، بات على علاقة ممتازة بالضباط الروس في حمیمیم، وھو ینحدر من قریة أبو دالي، وھي أحد طرق تجارة السلاح ما بین مناطق النظام وإدلب»، التي تسیطر علیھا جبھة النصرة ومیلیشیات مسلحة أخرى.
وقالت مصادر خاصة لـ«الشرق الأوسط»، إن موكب مسؤول كبیر تواَجھ مع موكب زعیم میلیشیات «صقور الصحراء» أیمن جابر، الأمر الذي دفع الأسد إلى سجن جابر لمدة15 یوماً في الاستخبارات الجویة.

تعليق