أزمة التمثيل والقيادة في مؤسسات الثورة السورية

الهيئة السورية للإعلام-أيمن أبو هاشم
تسير الثورة السورية على حد السيف، في خضم بيئة سياسية مضطربة وغامضة، وفي ظل أوضاع عربية ودولية واقليمية، تضاعف من تحديّات الثورة، وتفرض عليها مصاعب استثنائية. لم يعد ممكناً التعامل معها، ومواجهة تداعياتها على مستقبل الثورة، دون رؤية جديدة تستنهض العامل الذاتي لقوى الثورة ومؤسساتها التمثيلية والسياسية، وتسهم في تطوير الأداء الثوري على كافة المستويات. يقترن ذلك بالضرورة بمراجعة شاملة وعميقة للمحطات السابقة، والتوقف ملياً أمام المشكلات الأكبر التي تعاني منها الأجسام الثورية، والتي فعلت فعلها في خسارة العديد من مكتسبات الثورة على الأرض، وليس بأقل في الميادين السياسية.
لعلّ الأشد وطأةً من بينها من حيث الدور والتأثير، هما مشكلتي التمثيل والقيادة، ليس فقط لخطورة الضعف أو الفشل في وظيفة كلٍ منهما، وإنما بحكم الترابط الجدلي بينهما وجوداً أو عدماً.
منذ المجلس الوطني والائتلاف الوطني الذي ورثه على وجه الخصوص، برزت أزمة التمثيل في نواحي متعددة، بدأت في طريقة اختيار ممثلي قوى الثورة والمعارضة في تلك المؤسسات، وتبلورت في غياب نظام إجرائي ديمقراطي، يصحح التمثيل بين القاعدة الثورية، وممثليها في تلك المؤسسات.
ليست العلّة فحسب في النظرة المعيارية التي قامت على نوازع المحاصصة في التمثيل، وإنما في وجود عوائق فعلية، تحول دون تجديد التمثيل في ظل الحاجة الماسة له ، كانت هذه المشكلة التي انكشفت في حقبة الائتلاف الوطني، مثار نقد شديد من جماعات واسعة في الثورة، ومحط شكوك كبيرة حول مدى قدرة هذا الكيان التمثيلي، على توفير النصاب المطلوب من المشاركة السياسية.
ترافق ذلك مع تحولات عميقة في علاقة الثورة مع مؤسساتها، وغدا من السهولة تلمس ما نشأ عن معضلة التمثيل المتفاقمة، من تراجع مضطرد في شرعية المؤسسة التمثيلية، وقصورها عن تجديد دماءها، طالما أنها محكومة بآليات تعوّق عملية التجديد في بناها الداخلية. تبين في ضوء تجارب ومحطات زمنية متتالية، أن أزمة التمثيل وتغييب معالجاتها المُلحة، تعكس بدورها أزمة القيادة بكل صورها، واستحقاقاتها على صعيد الممارسة والأداء، إذ كيف يستقيم ارتقاء شخصيات مؤهلة لأدوار قيادية، في ظل استحواذ نخبة معينة على المجال السياسي !؟ كان استنقاع هذه المعادلة هو السبب الأهم، في تجفيف فرص تغيير وتطوير العامل الذاتي، بمعنى انغلاق المؤسسة على نفسها، وانقطاعها عن حقائق الواقع وتبدلاته الجارية.
مع وجود الهيئة العليا للمفاوضات، التي قامت على التنسيق بين القوى والمكونات المُشاركة فيها، تبدَت الحاجة إلى تعزيز وحدانية التمثيل والقيادة، وضرورة تحديد العلاقات الداخلية بين الائتلاف والهيئة، بما يمنع تعدد التمثيل وتضاربه من جهة، ويحقق التكامل في الاختصاصات بين كليهما من جهة أخرى ، لأن أي تعارض أو خلاف بين الطرفين لن يصب في مصلحة البيت الداخلي، بمعنى أدق، كل خطوة اصلاحية في الائتلاف لتصحيح التمثيل وتصعيد قيادات مؤهلة، من شأنه تعزيز دور الهيئة في وظيفتها التفاوضية، وكلما كان الأداء التفاوضي للأخيرة جيداً ومثمراً، لابد أن يقوي من المكانة التمثيلية للائتلاف. يتوقف كل ذلك على عملية تنظيمية شاملة، تنجدل فيها كافة المكونات السياسية والعسكرية والمدنية، ككتلة واحدة تخضع لمركز قرار يعبر بحق عن مشروع الثورة وأهدافه الوطنية، وتقتضي الحكمة السياسية الرد على محاولات تشتيت التمثيل، وتعدد مراكز القرار، بإيجاد مناخات تحفز المشاركة والتفاعل والتكامل، بين مختلف تلك الأجسام والمكونات.
لم يعد مقبولاً بأي حال في ضوء التهديدات المركبة، التي تستهدف القضاء على مشروع الثورة وتجريف قاعدته المجتمعية، التقاعس عن توليد رؤية وطنية إصلاحية، تصب في خدمة المشروع وأهدافه التحررية، وتنهي ثقافة المحاصصة التي وسمت مؤسسات المعارضة، وكادت أن تُطيح بما تبقى من شرعيتها الداخلية والخارجية.
تشتد الحاجة إلى القيام بهذه العملية لوقف مسلسل التراجع، الذي تعاني منه كل القوى المنخرطة في العمل الثوري، لاسيما وأن معسكر النظام وحلفائه، يواصلون حربهم الضروس ضد قوى الثورة بلا هوادة، وبعد أن تكشف تواطئ المجتمع الدولي، ووهم التعويل على دوره في إنقاذ الشعب السوري.
ربما هي الفرصة الأخيرة لاستعادة مؤسسات الثورة والمعارضة، قدرتها على الإمساك بزمام المبادرة، وترميم أوضاعها الذاتية، بوسائل تعزز العمل الجماعي المؤسساتي، وتستدعي أول خطوات السير على هذا الاتجاه كما أعتقد، العمل على تفعيل اللقاءات والحوارات الوطنية بين كافة القوى والتيارات الناشطة في حقول الشأن العام، لإنضاج تصورات وأفكار سورية بامتياز، ترسم خريطة طريق الخروج من عنق الزجاجة، وتردم الهوة بين مجتمع الثورة، والمؤسسات التي تمثل واقعه وطموحاته بكل جد واقتدار، وتوفير آليات ديمقراطية لتصعيد قيادات جديدة، يرتقي أدائها إلى حجم المسؤوليات والتحديات التي تواجه الثورة..